في هذه المقالة سأرصد بعض المؤشّرات الثقافيّة بما تحمله من دلالات وأخطار …
-إنّ تراجع الفعاليات الثقافيّة المدروسة، الموضوعة ضمن خطّة غاياتها تنوير العقل، وتزويده بما يساعده على اجتلاء الحقائق بنفسه، بدلا من الاستماع لآخر، أعني الآخر الذي يحمل الكثير من مظاهر الدّسَم، وفيه السمّ القاتل، وغالبا ما يقع الجهلة ضحايا البثّ الثقافي المسموم، وهم ، في الغالب لا يدركون ذلك، فيقعون ضحيّة التضليل، وفريسة سهلة، فيما تعرف قيادات ذلك البثّ ماذا تريد، ولصالح مَن، وهم مرتبطون بشبكة من التنظيمات الخارجيّة العاملة لمصلحة النّهب الغربي،
بعض الخطورة الماثلة الآن تشمل أبناءنا الذين نزحوا إلى بلدان أوروبا الغربيّة، فهؤلاء ليس لهم من حماية، وفي أوروبا ينتشر الدواعش انتشارا سريّا تخافه حكومات الغرب نفسها، وتحاربه خيفة من نواتج نشاطه، أنا شخصيّا أعرف أحد الشباب الذين هاجروا إلى بلد أوروبي، غادرَ وكان منحازاً للموقف الوطنيّ الرسميّ في بلده، وها هو الآن على الفيسبوك من أقذر الشتّامين، المؤكّد أنّ جهة ما، أو أكثر من جهة في تلك البلدان تعمل، كلّ جهة لصالح مشغّلها، وهذا يعرّضنا لخسارتين، الأولى خسارة القوى المهاجرة بما لديها من كفاءات، والثانية خسارة موقفها الوطنيّ، وهذا يفتح العين على ضرورة أن يكون في تلك البلدان ملحقون ثقافيّون، يُختارون من المخلصين ذوي الكفاءة، لا أن يكون ذلك، كما حصل في بعض الملحقيّات من قبْل، مجرّد تنفيعة لا يحظى بها إلا المدعومون، وأصحاب الجاه، وتكون مهمّتهم إقامة صلة مع المهاجرين تجعلهم على ارتباط حقيقيّ بوطنهم، وتعرف كيف تتواصل معهم، ضمن الأنظمة النّافذة حتى لا يضيعوا إلى الأبد.
-ما سبق أعاد لذاكرتي بعض الملاحظات العامّة، ذات الملامح الثقافيّة التي سبقت زلزال داعش، والزلزال الآخر الذي سبقه وكان أقلّ شدّة، وهو زلزال الاخوان المسلمين الذي أُشْعلت نيرانه في ثمانينيات القرن الماضي، فقبل الزلزالين كانت العين الفاحصة البصيرة تلحظ جنوحاُ لافتاً باتّجاه ما له علاقة بالدّين، وهم بذلك يأخذون الدين ستارة يختفون وراءها، للوصول إلى أهدافهم السياسيّة، مستغلّين بذلك طيبة الغالبيّة المنساقة معهم، وطيبة المجتمع المحيط، فنحن ما زلنا تخدعنا المظاهر الدينيّة، والدين الاسلاميّ براء من كلّ ذلك، والفِتْنة فيه أشدّ من القتل، لمن وعى كلام الله، وبذلك كانوا يصادرون بدهاء مخيف أجيالا بكاملها، هذا لم ينته بعد، لا كفعل ولا كمفاعيل، ولذا لا بدّ من استراتيجية ثقافيّة تشمل كل هذه المساحات يكون من أهدافها بناء جيل مؤمن بالدرجة الأولى بمقولة مطالع القرن العشرين ” الدّين لله والوطن للجميع”، لا سيّما وأنّ المسافة بيننا وبين أبنائنا، وبينهم وبين مفاهيم الوطنيّة، والتضحيّة، والأمّة هي مفاهيم لم تعد تعني البعض من أبنائنا، فهم بين مهووس بالموبايل وألعابه، وبين مَن لا يفكّر إلاّ بالهجرة بحثا عن الرزق.
هنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى أنّ الثقافة إنْ لم تترافق بإجراءات حازمة في مكافحة تغوّل الفساد، والرشوة، والسرقة، وابتزاز المواطن، والضرب بيد من حديد على أيدي المرتشين، ومخرّبي الاقتصاد والأخلاق، والذين يريدون لموارد الوطن أن تصبّ في صناديق أموالهم الخاصّة، والتي لا يستفيد منها إلاّ هم،.. كلّ إجراء ثقافي أو غير ثقافي إنّ لم يترافق بذلك،.. فسوف تكون حصيلته صفراً…
عبد الكريم الناعم