التفكير حجر الأساس في صرح كل بنيان معرفي، ومنذ زمن قالوا: المعرفة قوة، وإن الإنسان حصاد معارفه، ولا شك أن العمل على استثارة الفكر عبر التفكير وفق مؤشرات أداء، واستنهاض أسئلة سابرة في قراءة فلسفية الرؤى، حدسية التأمل ضمن استغراق استبطاني لماهية بذار الفكر تشغل بال القارئ الحصيف، أكان ذلك في أسئلة هي شفاء للعلم أم مطالعات آراء وتصورات ومصفوفات نظريات أو غيرها من مقولات، أو علوم في صنوف لميادين شتى، فإن إعمال التفكير يفسح في المكان مجالاً لفيض من جدل معرفي ما بين الإنسان ذاتاً، والحياة واقعاً معيشاً، يحياه حاضراً ويستقرؤه معارف وخبرات وينتبه إليه مهارات فتراه يعيش دلالة التساؤل أو القراءة أو المحتوى رسالة فكرية، إذ لا تكتسب تلك الرسالة الفكرية معناها: مضموناً فكرياً وحدوداً منطقية، وانفعالات وجدانية إلا من خلال الشخص الذي يستقبلها، قراءة تأثر وتأثير، وقراءة تناص نقدي متبصر ذي رؤية، وسعة في إصدار أحكام، تقوى بذلك تلك الرسالة وقع تمايز في فروق فردية، من غير إغفال قيمتها نصاً وواقع مبدعها وطبيعة الوسيلة في إجرائيتها أو في تقانتها. إن ذاك المحتوى يدفع المتلقي إلى التزام المسؤولية في تمثل قيمة المضمون من جانب، وقيمة فعل الأثر في ذاته، ومدى ما ينفتح النص عليه من آفاق تستحضر قيمة مضافة من مثاقفة عبر تماهي الاندماج وتعزيز فرص ((التداعي الحر))، تلك القاعدة السحرية كما أسماها /بريتون/ في سرح آفاق وآفاق ما بين معارف وخبرات ومهارات وتفسير وتأويل، وإعمال مخيال ليأتي الجهد تكامل شذرات من غنى بنيوي المعرفة فيكون بذلك التفكير الخلاق مصابَّ روافد لدى المتلقي إرادة بحث واجتهاد وإبداع. وهذا / غوته / في (فاوست) أكد أن: ((الإنسان العارف الخبير ، يرتبط بالقوة المبدعة الخلاقة للعقل الإنساني القادر على تغيير الحياة لصالح الإنسان)) فالعمل على المادة الخام للفكر عبر وظيفته الأولى كما أكد فلاسفة الإغريق أنه التفكير، وتحفيزه، واستثمار قدرات المرء لذلك فإن هذا ينحو صوب التفكير الخلاق من غير تلكؤ في البحث عن نوافذ إضافية تسعى نحو إشراقات تتجاوز جدران المألوف تعبيراً صارماً، بل ثمة مسوغات لإبداع قد لا يكون من عدم، بل إعادة إنتاج ضمن ابتكارات أو صيغ جديدة، وقراءات لمتغيرات في حيثيات الحياة من عوالم الحياة في صعدها كلها، إلى متغيرات المناخ، والعولمة الطاغية في توجهاتها المسيسة إلى معطيات المجتمع الإلكتروني، ومجتمع المعرفة والحتمية التكنولوجية، وتكنولوجيا النانو، والألياف الضوئية وتبدل القيم، وانتهاك شرعة حقوق الإنسان من قبل الاستعمار الغربي ومحاولات هيمنة توكيد القطب الواحد ومعاناة البشرية من الكوارث والويلات، و شذّاذ الآفاق إرهاباً. فذلك يقتضي إعمال التفكير الخلاق أفراد و مؤسسات ـ كل ضمن سعته ـ في مسار الشعوب الخيرة ,وعياً إنسانياً لمواجهة هذا التوحش والاغتراب ضمن سياسات الغرب المتأمرك وتجار الحروب ومشاق توفر الحاجيات لأن اكتناز الجهود هو عمل إبداعي لتفكير خلاق من خلال تحقيق غايات ذلك واقعاً يحقق الخير للإنسان رسالة وجود في انتماء حياة وقيم سامية، فالفكر عامة كما قال ديكارت: ((جوهر الإنسان)) والإنسان بفطرته مبدع، والإبداع في المحصلة وعي جمعي، ولاسيما مع نمو القرية الكونية ضمن التواصل الإلكتروني، بما يحقق الخير والفائدة والمتعة الجمالية معرفياً.
إن التفكير الخلاق في مرجعيات الكتب والدراسات التربوية والنفسية، والترابطية في ما بينها، والدراسات الفلسفية يرسم معالمه أدواراً تؤدي الجانب الوظيفي له مادة في تميز هذا التفكير، الذي من شأنه تحقيق القدرة على الإتيان بابتكار جديد لم يلحظ من ذي قبل لأمر ما، جانباً وجودياً ودراسات تحليلية أو لجانبٍ لمّا ينلْ حظه من الإضاءة عليه، والبحث فيه. إنه لحظة اتقاد لذهن متوهج، ومبدع وثاب الفطنة لالتقاط الفرصة السانحة عبر براعة التلقي. هو كذلك في علوم التربية تمكيناً للدوافع بدلالاتها النفسية بحثاً في الحاجات والمثيرات لدافعية التعلم والبواعث والأهداف، والتملي في جماليات المحتوى وحذاقة الطرائق، وغنى الإستراتيجيات من عصف ذهني،. وفي اللغة تفريعاً لأنساقها، ومدارات حقولها مجالاتٍ من أدب ونقد ونحو وبلاغة… يضاف إلى ذلك معايشة بناها وتطورها، وإنعام النظر في فقها وأساليبها ونبوغ الترابط بين اللغة وعياً معرفياً وبين الإبداع في الجانب الوظيفي لها إدراكاً لتفاصيل معجمية مفرداتها وأساليبها في مباشرة الواقع تأسيس دقة لمعنى أو مجاز لمعطى، أو قضاء أرحب في تحليل…
نزار بدّور