في زمن الغلاء تدنت الأحوال المعيشية للمواطنين والتي زادها تدنياً اعتلاء المواد الغذائية والخضراوات كافة عرش الغلاء خاصة البرغل الذي طار محلقاً بعد أن كاد يشنق حاله “لينافس الرز الذي كان له كل العز ،فأصبح البرغل منسياً وغائباً عن الموائد بعد أن كان عموداً “للسفرة “والتي لا تكتمل إلا بوجود البرغل الغذاء الأساسي للمواطن الفقير ،يؤرقه غيابه هماً جديداً بتدبير طبخة ليوم آخر ،متمنياً أن يكون ارتفاعه عابراً حتى لا ينسى شكله ويتلاشى كما غيره من السابقات كاللحوم بأنواعها التي عبثت بها أيادي البعض من التجار مغلقين باباً آخر من أبواب الأغذية الضرورية والذي يحمل عبق الأمهات في مطابخهن فماتت معه ذكريات “طبخ البرغل واللحم المسلوق “والمغطس بالسمن العربي الذي كان القاصي والداني يتنعم برائحته إذ كانت أمهاتنا يعتبرنه “مسامير الركب “يمثل تراثاً وطقوساً جميلة يصنعنه في الأفراح والأتراح والليالي الملاح , و يبدعن في تقديمه للضيوف مع قطع اللحم المطهوة جيداً .
وكان أجدادنا يشعرون بالسعادة في موسم صنعه فيسلقونه ويكيلونه بالشنبل والقنطار لأنهم يأكلون من أرضهم لنشتريه اليوم بالكيلو, ففقدنا بفقدانه نكهته العابقة بروح الماضي في وطن ينام بعد الغروب هرباً من برد قاس يقصم الظهور المثقلة بالغلاء ،غلاء المازوت الذي يسابق اليوم غيره في التحليق والطيران ،ليسكنهم بعض من سرور بقدوم فصل جديد فصل الربيع الذي يتهادى بشمسه الدافئة في عالم مختلف يطردون من خلاله شبح الرعب من شراء المازوت والذي مضى ككابوس شديد قاس كقساوة صخرة لا تلين ….
عفاف حلاس