تحية الصباح.. مقتضى الحال ..

ها نحن على سفرٕ مع الأيام المنسربة من بين راحات أيدينا، وترانا نمضي منشغلين بحاضرٕ في حيواتنا بأمورٕتتطلّبها معطيات الحياة، وأخرى تفرضها صروفٌ وظروف، وثمّة تماهٕ آخر بحفاوة انفعالات لأحاسيس ومشاعر في وجدان, ربما تكون ذاتيّة المزاج ,أو موضوعية الانتباه, وربما واقعية الحضور لا يفلح الخيال التأثير فيها, إذ تبقى ضمن إطار حالها تحدد مؤشراتها نباهة فطنةٕ في استبطان خبرات ,وغنى تجارب، واجتهاد قراءات. وثمة فيض من تأمل ,وحسن مقاربات لحيثيات رؤى وتصورات ,تتقن نسج خيوطها لوحات من تلاوين صدى لمواقف ,وأنماط سلوكية بسطت سطورها ذاتَها لكلمات وكلمات, مَعينُ رحيقها لا يجافي ما سافرت فيه الأيام، ولاحت به واعدات آمال على مطلول اللاحقات أزمنة يغزلها التفاؤل ألف شال وشال، وقد طاب اغتباطاً بها سرح خيال.. تُسافر بنا الأيام مراكب تحفها الأمواج غالباً, وتهدهدها أحياناً ، وما بين هذا وذاك يرنو البصر مابين إنسانٍ وحياة غنائيّة أمنيات تشدو قلق عزيمةٍ يحدوها كدٌّ وجهد ويستهويها شطٌّ ترسو به على برّ أمانٍ من غير متاعب على سلالمٍ من زبد. هي الأيام في سفرها تقتات أعمارنا، وزحام التطلع صوب المدى حثيثُ الخطا على دروب تستيقظ على أصباحها فاتنات الهمم زهو كل نجاح, وعلى أحفّة ضفاف الكدّ ترتسم معالم الرّجاء.. هي سرديّة أزمنة تبوح بها ارتعاشات الحنايا في حنين حروف مُقصّبةٍ تهزج بمكنونات ذواتها قصصاً وحكاياتٍ, قد تعثر صوغها مهارة تدوين, لكن ـ ربماـ ارتقى بها النبوغ صدق حال في خصيب تجارب سُقياها عذبُ الجداول من كينونة مجال, كفاه صدقا أنه: مقتضى حال…هو قطار الأيام المندفع غير آبه بغوايات المحطات في مشاق سفر أصحابها , والناجز معطى حال في مكامن الحياة واللغة ينقضي يوما في دلالة النحو إعرابا وتوكيد حال تكرار كلمة تعاضد سابقتها دقة تراتبية لا تخادع انفصام عُراها في سبك تعبير , وتوصيف حال حمولة تفكير وعمل وتداخل أداء , تمرّ به ذواتنا , ولا تنساه تعبيراً في لغة اللغة , وتصنيفات حُسن المقال تطابق مجالات مابين الإنسان حضوراً , وفعلاً , وجماليات الإبداع “نحواً” في حال و”بلاغةً” في تعريف :”.. أن يكون الكلام مطابقاً الحالة التي يُتحدّث عنها , ومناسبة للموقف الذي يتحدّث فيه ” تحنن علي هداك / فإن لكل مقام مقالا . أجل تسافر بنا الأيام , ولا نعدم وسيلة في أن نمنّي أنفسنا رغائبها وعقولنا غاياتها , وقدراتنا عزائمها ـ على قدر ما تجود به , أو يحالفنا الإدراك في الولوج إلى عوالمها , لكن , تستوقفنا مطارح فنلوذ إلى أفياء ظلال نقرأ ذواتنا رجع تقييم , واستحضار خلاصات تعود بنا الذاكرة إلى براءة الطفولة وأشكال هندسية تؤطر قواعد توكيد لتدريبات في استقراء فاستنتاج عسى تكون الفائدة حاضرة حفظ معارف , وفهم مدلولات , وإذا ما كانت البراعة توظيف ذلك نتاجاً يكون تطابق حال على حال غنى مهارات في “مقتضى حال” وفي تصنيفات العلوم والفنون والمهن عنوان التطابق كياسة مقتضى حال , ومقتضى ظاهر في محتوى يفيض مآلاً في جمال كل جمال. إن مناط القول كامن في مدى التطابق بين ترابط القول على الفعل ضمن معيارية السلوك , متّسع الوعي في تدرّجه ,وتمثّل جماليات الصدق القيمي في تماهيه مع جبلّة المحتوى , ومكانته في مخزون أعمال المرء في ما ينتجه , أو يسلكه , وفي إعمال تفكيره في ما يجسّده سعة معارف وخبرات ومهارات , ليغدو مقتضى الحال تطابق قول على عمل بادياً انعكاس ذاكرة على سطوح صقيل مرايا لتلك الأيام . وإذا ما كان ” مقتضى الحال” في البلاغة دلالة مصطلح , فإنه في بلاغة الحياة , والإنسان والسلوك , هو بلاغة الحذاقة في توكيد جماليات الصدق والحضور في مرامي الذات الضاربة الجذور في مهاد الشخصية المعبّرة عن ذاتها إرادة فعل بإبداع , وأداء بتميّز , وفِكر وثّاب , منطلق يهيم بسحر كل جمال لافت منفتح أخّاذ توّاق لكل طريف متأصل بتليد وإشراقة شعاع يبدد ظلمة كل عتمة في مخابئ كل وهن , وتجاوز كل قيد يهلك , أكان انغلاقاً في تفكير أم عجزاً في نيل حاجة , أو على نسمة تفيض عبقاً , لكن أثقلها بعض ما يفسدها من معنى في مياسم الزهر , ومغانم الطبيعة في رقي كل بوح وشرفات بيادر , ولاحقات قطاف , وأناقة معنى في حكاية كل سرد .

نزار بدور ..

المزيد...
آخر الأخبار