ما أحب العرب، منذ الجاهلية إلى اليوم، أدباً مثلما أحبوا الشعر، فقد كان الشعر ولا يزال إلى حد كبير ديوان علمهم ومنتهى حكمهم, به يأخذون وإليه يصيرون، كما يقول ابن سلام في كتابه (طبقات الشعراء).
والاهتمام بالشعر سببه الرئيس تخليد مآثر العرب على الدهر، والشاعر لسان حال القبيلة والناطق باسمها، ولم يخبُ بريق الشعر في عصر الإسلام فقد روي أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بنى لحسان بن ثابت منبراً ينشد الشعر من خلاله وقال الرسول الكريم: / إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة/.
حفظ الشعر وروايته هاجس العرب في تاريخهم، وما وصلنا من شعر العصور السالفة أقل بكثير مما هو ولاشيء أسبق إلى الأسماع وأوقع في القلوب وأبقى على الليالي والأيام من مثل سائر وشعر نادر/ كما يقول أبو هلال العسكري في كتابه /الصناعتان/ أي صناعة الشعر وصناعة النثر.
وأهمية الشعر جعلت المؤلفين يكتبون عنه ويصنفون مصنفات كثيرة حوله وعن أعلامه ، ويتخذه النحاة مصدراً أساسياً يشيدون عليه قواعد اللغة وشواهدها.
واهتم الحكام والولاة والخلفاء بالشعراء، لأن هؤلاء كانوا بمثابة (وزارة إعلام) ، فالشاعر ما إن ينشد قصيدته في مدح الحاكم حتى يحفظها الرواة وتتناقلها الألسن، ويطير صيتها وصيت الممدوح والأحداث في أمصار العرب ومدنهم.
وهذا معناه أن الحاكم العربي كان يهتم ، بل من أولى اهتماماته، بـ (الإعلام) فكان المتنبي وزير إعلام الخليفة سيف الدولة الحمداني مؤسس الدولة الحمدانية..وفي صحبته عدد كبير من الشعراء من بينهم ابن عم سيف الدولة الشاعر /أبو فراس الحمداني/ ، وكان أبو تمام الطائي بمثابة وزير إعلام الخليفة العباسي المعتصم , ولولا هذا الشاعر ما عرف التاريخ إلا اليسير عن / فتح عمورية / القصيدة الشهيرة حيث تخلد الانتصار على الروم ففي ذلك الوقت عمل الشاعر مراسلاً إعلامياً، ولكن بفن راق يبتدعه هو / الشعر/ فالرسالة الشعرية أبقى من النثر وأرقى صنعة منه…
وكان الشاعر ابن زيدون صناجة الأندلس ومن شعره نعرف الكثير عنه وعن ولادة بنت المستكفي حبيبته.
وهكذا وصولاً إلى العصر الحديث، فإذا كان بريق الشعر قد انحسر قليلا ً بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والاعتماد على التحليل السياسي والخطاب النثري المباشر، غير أن الشعر لا يزال يمثل الفن الأكثر قبولاً وجماهيرية، في كل المناسبات الوطنية والاجتماعية والقومية، والشعر اليوم ، عبر وسائل الاتصال الحديثة، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، في متناول الناس جميعاً، أما الحديث عن جودة ما نسمع وما نقرأ، فهذا حديث ذو شجون، لأن أكثر ما نسمعه ليس شعراً بل “خزعبلات” تثير الضحك والاستغراب، وهذه حالنا، ففي الماضي كان الرواة يختارون القصائد العصماء، واليوم اختلط الحابل بالنابل، لكن الشعر الجيد له مكانته في النفس والقلب ، وأما الزبد فيذهب جفاء..!!.
عيسى إسماعيل