إذا كان للحظ وجود في حياته ، فالحظ العاثر هو عنوان حياته إذ قادته خطواته في إطار حلبة العناد إلى صراف آلي كان له بالمرصاد حين ابتلع راتبه الموعود في لحظة خطأ أو عطل حدث فجأة ، ليبدأ سباقه الماراثوني ينهكه اللهاث على أبواب المصرف لتقديم الاعتراض تلو الاعتراض مطارداً راتبه قبل أن يتبخر في فم الحوت ، ذلك الراتب الذي لم يكن دواء شافياً في حركته التسوقية ولم يفلح في ترويضه وإخضاعه لرغبات أو حاجات ضرورية كاملة ، حائراً في أمره خوفاً من الفقدان التام طيلة شهر كامل جعله يتوهج حيرة وخوفاً ، إذ اصطف مع المراجعين صباحاً منتظراً دوره في إيقاع لا يخلو من خروقات رغم الاصطفاف الظاهري لتنظيم الدور ، يوقعه ذلك في دوامات ترهق دماغه بين انتظار الراتب المفقود لتخليص حاجاته من العجز واضعاً قدماً في النار للاستدانة وطلب العون من الأقارب أو الأصدقاء, وقدماً أخرى على حافة الهاوية في استحلاب الصبر الذي دام طويلاً لترميم فجوات باتت مفتوحة على مصراعيها أطلقت أجراس الإنذار بنفاذ النقود المستدانة والتي كانت في حياته كحبة مسكن تسكن ولا تداوي ، لا تنقذ طبخته اليومية التي باتت كطبيخ الراعي فيها ألوان وأشكال من بساطة العيش تائهاً في رحلة مكوكية أسطورية في بحار الأماني ومحيطات التمنيات للوصول إلى آخر الشهر بأفضل حال وأرحب مجال وهو يلملم انكساراته التي كبرت واتسعت دائرتها في ظل الغلاء الذي لا يرحم ..
عفاف حلاس