لم يعد العم ” أبو جميل ” قادراً على الحفاظ على دكانه المتواضع الذي ورثه أباً عن جد ، دكانه المشيد بالحجر الصلب بمحتوياته البسيطة من راديو قديم والذي يشبه صندوق الدنيا كانت تنبعث منه أغانٍ قديمة يفرغ من خلالها شحنات عواطفه المتوترة و التي تحرك معها شبابيك دكانه المهترئة بفعل الزمن تتلاعب بها رياح قوية .
ميزانه العادي ذو الكفتين كان يستوعب مزيجا مختلفاً من الزبائن و على اختلاف أحوالهم المادية لم يفقد يومها عوامل الجذب لمن كانوا يجالسونه في هدأة الصباح و سكون الليل كون معاملته معهم طيبة يروي الحكايات عن زمان مضى و انقضى أيام سفربرلك وثلجة الأربعين و حكايا ألف ليلة و ليلة و السيرة الهلالية الدافئة دفء المشاعر التي يحملها مع فبركات لذيذة تنبع من نفسه المعجونة بالطيبة لتتناسب مع الوضع العام يرويها بابتسامة بريئة تنحسر عن أسنان مصفرة من فعل الدخان العربي الثقيل …كان أرشيفاً موثقاً للذاكرة القديمة بالتصاقه العجيب مع الماضي بعلاقاته العفوية و محبة البسطاء لبعضهم البعض ..
لكن التضخم الاقتصادي اليوم الذي أجهز على كل شيء جميل ألحق به أضرارا مادية جسيمة مع ازدياد قيمة فواتيره التجارية من ماء و كهرباء و ضرائب عالية للدكان رغم بساطة بضائعه ليجبر على إغلاق محله الذي اندثر مع ما تلاشى من مظاهر تراثية جميلة وسط واقع معيشي صعب مع تزايد أعداد المديونين الذين كانوا يرتادونه ويأخذون حاجاتهم بالدين مما أوقعه في حال العوز الشديد فوجد نفسه مفلساً مسحوباً من قوقعة الرفاه يعد السنوات الجميلة الهاربة من عمره في وضع أجبر أبناءه للاقتلاع من أرضهم و لينزرعوا في أرض غريبة كسمكة غادرت البحر بعد أن التهمتهم نار الغلاء و تدني الرواتب و الأجور ..
عفاف حلاس