تحية الصباح .. أم الزلف  

يحتضننا العام بأيامه ولياليه مفترشا المسافات مكانا وزمانا على صهوة غيمة عابرة أو شعاع شمس يهب الحياة لغرسة هنا أو إنسان هناك وقد رسمت الرياح مستقرا لورقة تطفر على درب اعتدناه في عبورنا المستمر إلى الأمام في تلك اللوحة المختلفة السطوع والمتباينة الظلال لينهض فصل الربيع على افترار ابتسامة هنا وتغريد بلبل هناك أيضا مؤكدا اشتعال الألوان على ضفة حلم هارب إلى ضفاف أمنية تتعطر إيذانا بحنين الشتول إلى فضاء يتسع لتبرعم الحياة من جديد .
هو فصل الربيع القادم من رحم الصقيع والبرد والمطر لتبدأ دورة التوالد والتبرعم والانتشاء حيث يبقى لفصل الربيع مكانة توازي جماله بما يقدم للأرض من خصب وتجدد ونماء فينعكس على النفوس حللا من التفاؤل والانشراح وكلمة ربيع في اللغة العربية تعني الخصيب حيث اقترن اسم فصل الربيع بالخصب منذ بداية الحياة ومنذ أن دفعت عشتار بحبيبها وعشيقها تموز إلى الحياة الدنيا وصار يمثل روح الإخصاب في موته وقيامته . وعشتار هي آلهة الخصب عند السوريين وعشتار ترمز بشكل عام إلى الأم الأولى منجبة الحياة . وعند قيامة تموز سوف تتزين عشتار كما تزدان الأرض من أجل لقاء حبيبها وتتجدد الخصوبة في الطبيعة والحياة بشكل عام مع بدء فصل الربيع وكأن ثوب عشتار يزدان بكل أنواع الزهر والثمر وأصداف البحر وكانت عشتار تدعى آنذاك (( أم الزلف )) وال زلف كلمة عربية قديمة وتعني بالسريانية الثوب الموَشى ، الزينة ، الجمال ، الصدف ، الغزال ، البراءة ومن هنا جاءت أغنية ( أم الزلف ) وهي تغنى في سورية ولبنان منذ ذلك الوقت وحتى الآن ويقول مطلع الأغنية : (عالعين يام الزلف زلفا يا موليا) وكلمة (موليا) تعني في السريانية الخصب والوفرة وكانت تمثل دور عشتار الكاهنة المقدسة أو الملكة . ثم صارت شجرة الصنوبر شجرة عشتار تمثيلا لها فيجري تزيين الشجرة كما تزدان عشتار من أجل اللقاء ومن هنا نجد أنه مع بدء فصل الربيع تبدأ أعياد الخصب العربية السريانية السورية المرتبطة بقيامة تموز أو البعل أدونيس من الموت ويتصل بعيد رأس السنة السوري في الأول من نيسان من كل عام ومن هنا كان الاسم السوري القديم الذي يحتفل فيه ابتهاجا بالسنة السورية الجديدة أي عيد الأم الكبرى عشتار وما زالت الاحتفالات مستمرة إلى يومنا هذا ليكون الألق والازدهار في عقيدة الخصب حيث تتجلى عشتار . من هنا نجد أنه كم يحق لنا نحن السوريين أن نتباهى ونفتخر بأن بلدنا الغالي هو منبت الحضارات العربية القديمة وموئلها فسورية هي بلد الخصب والأبجدية التي انتشرت في كل أنحاء العالم فأهلا بالربيع الذي نتمناه ربيع نفوس تنبت فرحا وتساهم ببناء موطن هو هويتنا التي نعتز بها والربيع خلق من أجل سورية لتبقى مزدهرة نضرة شامخة شموخ شعبها الطيب المعطاء .

شلاش الضاهر

المزيد...
آخر الأخبار