الطفولة الندية , وفرحها في الاقتناء وحب التملّك العفوي كان ذلك كله محطّ سعادة , إذ ثمّة أدوات في الحقيبة : دفتر , وقلم رصاص وممحاة هي أدوات قد تبدو في وعي الصغير لعباً لكنّها ألعاب .. أدوات جادّة تحمل في دلالاتها إرهاصات مشروع السفر ضمن رحلة التعليم فالتعلّم فالعلم والمعرفة والإبداع فالإنجاز وتوكيد الذات في مضمار الحياة , ومرآة التعبير عن معنى ذاك الحضور في مرتسم الوجود الأميز رسالة , يكتبها المرء , وتقرأها الأيام , وتكتنزها السنون خلاصات . أكانت إجرائية المرور سفراً أو نوعية الأداء صوى في حقول العمر تتقرّاها التخوم , وتتسع لها فساحات الحقول . سماع أصوات الحروف موسيقا في جمال إيقاع , وترنمها شدواً دنيا من أغاريد لكوكبة في قاعة الدرس , وترنيمها تكرار نطق مهارة إنصات في بذار مهارة لتغدو وعي إدراك جمالي لأنواعها في دلالاتها . لاحقاً , في سحر الكلام , واهتداء حُسن القوافي إلى بلاغة رويّها في ناهضات قصائد تغزلها قرائح الشعرية على أوتار السفر , وثقافة المبدع الشاعر الحق في ملكة الإبداع الجميل , ولتبدو تلك الحروف في النثر مقطعات تتسرّب في أعطافها أنغام السجع , ومفردات المصطلحات البلاغية علوماً في متون الأسفار كتبا , والأسفار دروباً عبر إشراقات المثابرة , وفرادة التميّز .. هي أصوات تُغنّى ترانيم لمياسم حروف تبسم بها ثغور في مطالع الرياض ومساكب الزهر مدارس , لكن عندما يحلو بها الشدو سماعاً واستماعاً تقوى لترسم بأنامل تبدو لوحات في اكتناز الشغف لمعنى الجمال في عمره النمائي , ولرسالة ومهنة , وقدسية واجب , واغتباط مسؤولية في أداء واجب لدور مؤسسة , ونبالتها في سموّ دورها معارف وخبرات وأنشطة ومهارات وسجايا قيم , وعوالم من مثل ساميات , قلم الرصاص الملوّن يتهادى بين أنامل تحاول الإمساك به مهارة تفضي إلى وقع حرف يساند غيره بحثاً عن عرائش لكلمات , فاللاحقات خبرات ومعارف ستغدو الكلمات معاني وانزياحات معجمية في دلالات , وأفكاراً في علوم ودراسات وتخصصات , فمآل البذرة في كرم الطبيعة أماليد أغصان مثقفلة بأثمارها في متسع مراميها فضاء رحباً , وفي مغانم تأثيرها بذاراً وزارعيها غراساً سعادة جني في مواكبة منطق من جدّ وجد , وضمن مقاربات نسب مابين جانب وجانب , وإنسان وحياة .. ألوان الحروف على صقيل الصفحات , وبعض الرسومات تحفّز بالتعزيز المحاكاة وبعفوية أيضاً تسعى إلى محاكاة عبر تعلّم ذاتي , هو حجر أساس لتعلّم مستمر , من خلال تعليم مصاحب . و مابين هذا وذاك تكون البدايات لبعض ميول واتجاهات , ومع المتابعة والرعاية تُصقل فتكون الابتكارات في العلوم والفنون و التقانة , والقامات .. مهارة الإمساك بقلم الرصاص , ودربة رسم الحرف مسعى عزيمة لتوكيد مسار مهارة صوب نسج مقاطع فكلمات , وحفاوة جمال في بواكير منمنمات لشفافية سحر تحمل الطفولة الندية , وتتحسسه رويداً رويداً معتمدة طريقة أداء إذ يصير الحظ صوغ تلميذ , وحليه كاتب . وإذا ما تعثّر في رسم حرف فحسبه الممحاة نافذة , تلك الممحاة التي لا يشغله نوعها , لكن ما أكثر ما كنا نتفرج عليها لشدة جمالها وألوانها , وكم كنّا نستعذب شميم رائحتها , ومع قرب نهاية الدوام نخترم رغبتنا لكأنها قطعة حلوى ! تلك الممحاة التي تزيل كدر ضعف , أو تمحو غباش تدوين فتنتقل الحال من وهن لا نريده إلى صواب فنعدّله لكأننا نستشعر ” من جهلنا نخطئ , ومن أخطائنا نتعلّم ” ونتعلّم أن كل أمر قابل للتعديل نحو الأفضل على مطلول لاحقات المعارف والخبرات والمهارات على دروب السنين , وتجارب الأيام . وفي بلاغة الحكمة نتعلّم المحو تسامح تحابب لعابرات أخطاء يمكن تجاوزها من غير ضرر ضارب في جذور المنطق , وسعادة الإنسان , وبناء المجتمع والأوطان , وقيم الحياة . ولربما في تعديل السلوك حال المرء تردد حال أمام أقاحية سمراء في مقطّعة الأخطل الصغير . يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً كعاشق خطّ سطراً في الهوى ومحا فقد غدت الممحاة عصا يمسكها المرء في وسطها صراع إقدام وإحجام . ولربما في انزياحات الممحاة أداء عبر قناعات المرء , ومناحي السلوك قد تطرق مآلات فكلام الليل يمحوه النهار مابين تردد في حال أو انعطاف في غيره , أو حنث في وعد . ليكون ما قد تمّ محوه في وعي المواقف سلوكاً ممحاة سلوك لكنه في الحرف جمال تعلّم في مقاربة كل نهوض . في عمارة الفرح مداميك لبواكير الحرف وأدواته قلماً وممحاة , وأدواحه مراكز نور وإشعاع , ورادة في غناه يزدهي الجمال أبهاءً في كل بناء أصورة طفولة ندية , نفحها كل طيب , وحاضرها ومستقبلها : فتية أنجاد وسيوف حداد .
نزار بدّور..