مَن يهمّه أمر لايستطيع تنحيته عن ذهنه، فهو يشغل مساحة كبيرة من تفكيره، وأنا واحد من الملايين الذين يهمّهم مايحدث في وطننا العربي وفي المنطقة، بحكم تشابكاتها المُتداخلة، فكيف بمن وعى وشبّ وشاخ على التّداعيات الجارحة على القضيّة الفلسطينيّة، القضيّة المركز في كلّ حراك فوق أرضنا التي تخصّنا؟!!
لم أكن أعوّل على ماسوف ينتج عن القمّة العربيّة التي عُقدت في تونس، فكلّ المُعطيات، والإجراءات، والوقائع المُتراكبة كانت توحي بأنّها لن تتجاوز النتيجة الإنشائية التي لاتعني العدو بشيء، كما أنّ الصديق يائس منها، وهذا ماقد يسوّغ أن نقوم بمراجعة سريعة لبعض العلامات، لنتبيّن مواضع أقدامنا لٍما هو قادم، فذلك الماضي انتهى بكلّ حمولاته.
الذي لم يعد قابلا للشكّ أنّ الرجعيّة العربيّة، منذ بدأت تظهر بوادر هذا المشروع الصهيونيّ كانت تقف في الصفّ الذي يخدم قيام ذلك الكيان، ويدعمه، وأظهرتْ الوثائق العديدة التي نُشرت خلال هذه المدّة أنّ بعضهم كان ضالعا في هذه المؤامرة حدّ التّماهي مع القيادات الصهيونيّة، من ملك الأردن الأول، مرورا بعبد العزيز بن سعود، وهذه مسائل لم تعد مجالا للنفي، ولا يغيّر من ذلك بعض التبريرات التي يرتكب حماقتها أناس ضالّون مُضلّون من المرهونين لمنافع شخصيّة رخيصة.
سبعون عاما مضتْ، ولم تكن القوى التقدميّة واثقة من تلك المراكز، سبعون عاما والثقة مفقودة بين هؤلاء وأولئك، وكان على الرؤساء والملوك والأمراء أن يجتمعوا تحت سقف واحد، ليخرجوا ببيانات يوقّع عليه الجميع،وكانت بيانات من حيث النتيجة لاتساوي الحبر الذي كُتبت فيه.
في عام 1964كنت أعمل في صحيفة « البعث»، وقد دُعيت والصديق المرحوم منصور أبو الحُسن لزيارة السعوديّة بدعوة تمتدّ لمدّة أسبوعين، قطعناها بعد أسبوع، وكان في برنامجنا أن يستقبلنا الملك فيصل، ولقد فصّلتُ في ذلك في مخطوطي «مدارات 2- سيرة أحداث»، وأثرتُ موضوع هذه الأمّة مع الملك، وكان واضحا في كلامه، فكان خلاصة ماتفوّه به:« نحن لانثق بكم كقوى تقدمية»، إنّ من يقول هذا الكلام لصحفي زائر بدعوة لايُربكه أن يجسّد عدم الثقة في كلّ ما يتخذه من مواقف.
الآن لم يبق ستر مغطّى، ولم يعد ثمّة لَبس في مواقف الرجعيّة العربيّة، وليس ثمّة رهان، وهذا يوجب على حلف المقاومة أن تكون له خططه، برغم العرقلات المخيفة التي يُبادر ترامب، بما يمثّل، لجعلها ساخنة ومتسارعة، بحيث لاتترك فرصة للمستهدَفين إلاّ لسدّ الفجوات، وبحيث تُصادر قدراتها القائمة، والمحتمَلة، وليس ثمّة خيارات أخرى لأنّ هذا العدوّ سيظلّ على شراسته، وطغيانه، ولن يُدفع هذا الشرّ إلاّ بالتصدّي له، ومجابهته بكلّ الإمكانيات، وهي ليست قليلة، وهذا يضع سلطة أوسلو أمام مسؤوليات مصيريّة، فإمّا أن تعلن إسقاط كلّ مااتّفقت عليه مع الصهاينة، وإشهار الكفاح المُوَاجِه، أو أن ترضى بأن تكون جثّة.
سبعون عاماً من التراكم، والجراح، والخراب، واصطفاف البعض في رتل المتصهينين، وما من نجاة من القادم الأسوأ إلاّ الكفاح، بأنواعه المتعدّدة، حتى وإنْ احتاج الأمر إلى سبعين سنة أخرى…
عبد الكريم النّاعم