ترك الرجل كرسيه وتقدم نحوي وأنا أخطو باتجاه مكتبه , ومدّ يده مصافحاً , وهو يضحك كنت في حالة ترقب وحذر , لأن الرجل طلبني , ليس ليطمئن عني , بل عن العمل في فرع المؤسسة الذي كلفت بإدارته .
ولعل ضحكته وهو يتأملني لأنه يراني للمرة الأولى أراحتني قليلاً , لا سيما وأنه أشار إليّ بالجلوس على الكنبة الأقرب إليه , بعدما عاد ليستقر على كرسيه .
بادرني القول :” وصلتني أغرب شكوى عنك .. وهي أنك تحب النساء حباً كبيراً …؟!
كلماته وابتسامته شجعتني على الرد بصوت هادئ :
” يا سيدي من منا لا يحب النساء ..؟!..!! فالإنسان يا سيدي أول ما تقع عيناه على امرأة هي أمه , وهذه تسلمه لامرأة هي زوجته .. ولا ينسى أحدنا حنان ومحبة شقيقاته وعماته وخالاته .. وجدته أيضاً ..!!
لم يدعني الرجل استرسل بل راح ينظر في ورقة ويسألني عما فعلته خلال الأربعة أشهر من عملي … أثنى عليّ ووجهني بكلمات لاتنسى .. وتمنى لي التوفيق في مهمة قال لي إنها من أصعب المهمات ..!!
اليوم وقع نظري على كتاب ” أخبار النساء ” من تأليف ابن المبرّد الحنبلي الدمشقي
( 1400 ميلادي ) .. باختصار شديد هذا الكتاب عن آراء مؤلفه وموقفه من المرأة ، في عصره ، وموقفه منها ، بشكل عام . ويتطرق لسيَر بعض النساء في التاريخ العربي ونقتطف ما جاء به تحت عنوان / هند بنت الخس الأيادي ، فقد قيل لها أيّ الرجال أحب لديك : قالت : السهل النجيب ، السمع الجيب، العاقل الأريب ، السيد المهيب فقالوا لها :
وهل بقي أفضل من هذا ؟! أجابت ( نعم بقي الأهيف الهفهاف – الضامر القدّ – الأنف العياف – قليل الأكل – الذي يخيف ولا يخاف ).
ونقل عن القاضي شريح أنه أقام مع زوجته زينب عشرين سنة ، ما غضب عليها يوماً قط ولا ليلة وقد قال يوبخ رجلاً كان لا يزال يضرب زوجته فقال شعراً :
/ رأيت رجالاً يضربون نساءهم
فشلت يميني يوم أضرب زينبا
فتاة تزين الحيّ إن هي حليت
كأن بفيها المسك خالط محلبا /
والمحلب هو العسل .
ولعلنا نذكر أبيات الشاعر المتنبي في رثاء والدة سيف الدولة :
/ ولو كان النساء كمن ذكرنا
لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال /.
عيسى إسماعيل