تحية الصباح :  إنه الجمل!!

لا أعرف  بالضبط  ما الذي يجعلني أشعر بالفرح عندما أرى جملا ً ، مصادفة، فالجمال نادرة الوجود عندنا، قليل منها في ريف دمشق الشرقي ، وربما في البادية السورية ،  لكن قطيع الجمال عندنا في سورية انحسر  إلى حد كبير  عما كان عليه قبل أربعين أو خمسين سنة .

كنا صغارا ً عندما كنا نمشي  وراء الجمل الذي يقوده صاحبه، محملا ً بالحجارة أو خيش التبن، أو أشياء أخرى ،  وذات مرة في عام 1964، بدأنا نبني بيتا ً من الحجارة و الاسمنت, وبدأ صاحب الجمل بنقل الحجارة لنا بوساطة  جمله الذي عليه صندوقان خشبيان كبيران … وفاجأني الجمّال _ بتشديد الميم _ أنه يريد  أن يركبني على الجمل .. وساعدني في الصعود إلى ظهره وأجلسني في الصندوق الخشبي وأجلس شقيقي الذي يصغرني قليلا ً في الصندوق المقابل ليحصل التوازن .. نهض الجمل فشعرنا بالخوف الشديد .. ومشى يقوده صاحبه .. ونحن بين الفرح والخوف . لكنها كانت مبادرة جميلة من الجمّال المرحوم/ أبو محمد إبراهيم العدلي/ الذي صار فيما بعد صديقاً لي مع فارق العمر الكبير بيننا .

اختفت الجمال التي كانت تنقل لنا التبن والحجارة والمواد الأخرى ..!! ، حلت محلها السيارات الشاحنة .. والجمل رمز للصبر على العطش والحرارة وهو كما يسمى (سفينة الصحراء) وله حضوره في الشعر العربي عبر التاريخ ، وأنثى الجمل (الناقة) والجمع(نوق).

وأراني بعد سنين طويلة أعلم في  إحدى الدول الخليجية وأشاهد قطعان الجمال .. وأرى اللوحات التي تقول /احذروا الجمال/ وعلى اللوحة صورة لجمل كبير, وقد حدثني بعض الأصدقاء هناك أن حوادث كثيرة تحصل عندما تعبر الجمال الطرق الصحراوية ، لاسيما في الليل ..!!.

غير أن ما أذكره أيضاً ، هو  أن جاراً لي هناك قد دعاني في يوم عطلتي لتناول وجبة الإفطار في منزله، وكان برفقتي عدد من المدرسين السوريين العاملين هناك .. وكانت الصحون مليئة (بالكبدة) المقلية مع التوابل.. كان الطعام لذيذاً جدا ً .

ووجدت نفسي أسأل مضيفنا شاكرا ً عن هذا (الكبد) فأجابني أنه أوصى عليها منذ عدة أيام لأنها مطلوبة جدا ً .

فهي كبد الجمل..!! وهي كما ذكر لي لذيذة مثل أكلة (الكبسة) مع لحم الجمل المسلوق..!!.

وفق الله مضيفنا ، الذي لم أعد أعرف عنه شيئاً بعدما عدت إلى الوطن، فهو من مدينة /النبك/ التي يعمل كثيرون من أبنائها في دول الخليج .. ورحم الله جارنا أبا محمد/الجمّال/ الوحيد في تاريخ قريتنا والجمل عزّ لأهله، وقد تغنّت به العرب ومنها قول أحدهم:

يا حادي الركب قد لانت لك الإبل

واستأنس الليل وانقادت لك السبل

يا حادي الركب كم في الركب من دنف

قد شفه الوجد للأحباب يرتحل

عيسى إسماعيل

 

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار