ما بين السراب و الآفاق تتالياً تتهادى أشرعة الرؤى أطيافاً ما اتسع المدى , فتروح بالمرء خواطرُ ما بين ذهاب و إياب , وتنهض في مكامن العقل تأملات , وتساوق فِكر تغالب ذواتها أنفاساً في مطارح الجمال , إذ يتراءى طبعاً وجبلّة مكين أدواح في مرامي النفس والعقل والوجدان , حيث وقارُ غنى النفس عندما تفرد جناحيها سعة سراب و آفاق بما تكتنز من ثقة بذاتها , ومرونة في استيعابها , ودفق معرفي في عدالة صدق وعيها وعدالة سداد منطقها توازياً ما بين أنصاف في اتزانها وإدراك قدر غيرها فلا تعرف ضيقاً يوغر أثراً في حسد , ولا انكماشاً في همة سعادة هنا أو هناك بل إن غنى النفس لدى صاحبها هي قيمة في دلالتها , وقامة في مبدعها فتراها تعيش فرح اغتباط , لأن ثقتها بنفسها لها كل الشرفات المزروعة بأفانين الساميات قيماً , والناهضات شمائلَ , لأنها ترى نجاح غيرها هو صنو نجاحها على خلاف من أقعده ضيق , وقيده طبع تطبع به , فغالبه ماهية فما حاول أن يغيبه قولاً أو فعلاً عن الآخرين فإنه في خزائن الجهد ومعترك السنين وفساحة التقانة و نبالة الضمير الصاحي حاضرٌ لا تنال منه متاعب وهن لضيق نفس إن غنى النفس أنفاس الربا في مطالع كل شميم عبق , شذاه مكارم الأخلاق , وحصافة العقل في ألمعية كل بريق يحمل نباريس الضياء شرف انتماء إلى ثنائية العقل والوجدان , وجمال الحياة , ورقي الإنسان ما أجملها من مواقف تكبر في وعينا نبوغ كل سمو لحذاقة فعل أو سلوك يترافد لمسات من حب وتقدير ! وكثيراً ما نقرأ في الأسفار , ونعيش الواقع ما بين إشراق في نبل وتقدير في موقف هو حال الشاعر عبد الباسط الصوفي بقصائده و إبداعه في دوحة الميماس عندما التقى به د . الناقد محمد مندور وغيره من أدباء حمص معرباً عن إعجابه به وما أجمل رونق التعبير في ما يرويه نجيب محفوظ عن لقائه الوحيد بالمازني بعد صدور ” زقاق المدق ” قائلاً : ” إنه أسبغ عليه من المديح ما أخجله ..” هي الثقة بالنفس لدى كل من يعرف قدر غيره بما يمتلك من غنى شمولي القيم والسجايا على مر كل تليد وطريف في كل علم وفن وموقف.
والعرب منذ زمن قالت اليد البيضاء هي التي تعطي والخضراء هي التي تكافئ والفعل في وعي التقدير هو رقي وذرا أتواد .
على أن ضيق النفس يزاحم أنانيتها عند صاحبها , وهي تدور في حلقة لا توسع لغيرها مكاناً , وإن أوسعت له فتراها تقرمط حيثيات ما لدى غيرها من إبداع فتماري في الكلمات , وتصوغ كما تشاء بغية إخفاء سعة عدالة ما عند غيرها إن كان لفظاً أو تدويناً وربما تغيّر الحديث وقد أتعبها نجاح غيرها و إن كان عنها فإن ركب طائرة متجهاً إلى بلد ومر فوق فضاءات لدول أخرى فله كل أطناب من قال وقيل و إن كان في سردية كتابة فيذكر عدد كتبه من غير أن يلتفت إلى روزها في قناعات الإبداع ومكانتها في ضمائر قيم النقد ومعنى الإبداع وقد يذكر أجزاء و أجزاء فابن خلدون ذكرت له المقدمة , ودوقلة ذكرت له اليتيمة وفي وعي الحكمة ” ويجمع الأيام يوم قصير ” وفي بوح القوافي غزلاً جُمع الزمان فكان يوم رضاك . إن الحياة بحر زاخر ومحيط فنجدها تتسع أكثر بفضاءات النفس الغنية ثقة بذاتها والمغتبطة بغيرها وجميل في الأمثال العربية ” إن أخاك مَنْ آخاك ثقافة مراعاة إنسان لإنسان في زمالة الحياة والمصير فغنى الكبار النفس حكمة تتوج بكل وقار كما قال رسول حمزاتوف : “يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام و إلى ستين عام ليتعلم الصمت “. الكبار وحدهم محتدهم الأصيل يجعلهم يغتبطون بغيرهم قدراً وقيمة .
نزار بدوّر