قبل ثلاثين سنة التقيته وتعرفت عليه ، وبالتحديد في أحد مساءات صيف 1992 كان المشهد في ذلك اليوم حزيناً فالدار التي جمعتنا دار مجلة الثقافة بدمشق سوف تهدم ليقام في المكان وما حوله فندق عصري .
عميد دار الثقافة يشعر بالحزن ، وكان في السهرة الأديب محمد قرانيا الذي توفي قبل أسبوعين والباحث اللغوي الدكتور محمد علي دقّة والأديب الكبير عبد السلام العجيلي وكان في الجلسة شابان لم أعد أذكر اسميهما .
محمد قرانيا الذي كان في الخمسينيات من عمره بدا شاباً وراح يتحدث عن كتبه وعن تأسيسه لفرع اتحاد الكتاب العرب في إدلب وكان رئيسه وقتذاك وراح يتحدث عن كتاب يصدر له قريباً عن / أريحا / درّة مصايف الشمال ، مدينته التي يقيم فيها .
بعد هذا اللقاء بعشرين سنة ، التقيت محمد قرانيا في اتحاد الكتاب العرب .. لم يعد يذكرني بعد ذلك اللقاء الوحيد … وفوجئت به يدعوني لزيارته في أريحا وعندما علم بأنني تسلمت رئاسة تحرير هذه الصحيفة الغراء / العروبة / قال لي إن هديته لي ستكون مئات الكتب من مكتبته الكبيرة التي سيوزعها على أصدقائه .. و قال إن هذه الكتب هدية منه لصحيفة / العروبة / الحمصية التي يسمع عنها الكثير من غازي التدمري وغيره من الكتاب الحمامصة .
وجاء ذلك اليوم الذي وجدت نفسي فيه في / أريحا للمرّة الأولى – والأخيرة – مع سائق الصحيفة علي سلامة / أبو فخري / وكان قرانيا ينتظرنا في مدخل المدينة ، ويمضي بسيارته إلى أعلى الجبل ونمضي وراءه .
أدخلنا إلى غرفة ملآنة بالكتب وقال خذوا ما شئتم واخترنا عدة مئات من الكتب ، هي نواة مكتبة صحيفة العروبة وكان مدير عام مؤسسة الوحدة آنذاك الدكتور خلف المفتاح الذي كان على علم بهدية قرانيا للصحيفة ، فوجه له كتاب / شكر وتقدير / على هديته القيّمة .
عندما تسللت العصابات الإرهابية إلى أريحا ، كان قرانيا أحد المستهدفين لأنه كاتب معروف ورئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في إدلب لربع قرن … وهرع قرانيا إلى حلب التي أقام فيها حتى وفاته قبل أسبوعين .
أكثر من خمسين كتاباً في قصص الأطفال والروايات والدراسات .. هي المنجز الثقافي للراحل محمد قرانيا … وعدد من الجوائز المحلية والعربية حصل عليها … وكان حضوره باذخاً في مؤتمرات اتحاد الكتاب العرب ، وفي المهرجانات والمؤتمرات داخل سورية وخارجها .
فارس آخر من فرسان الكلمة يترجل هو محمد قرانيا ,,,
رحمه الله !!
عيسى إسماعيل