العــــــولمة والثقــافـــة..!!

لا يحتاج الفرد للكثير من الوقت والجهد من أجل التأكد من تأثير ظاهرة العولمة في حياتنا اليومية بشكل عام وفي الأنظمة التعليمية بشكل خاص وحتى النشاط الاجتماعي عند جميع الأمم فهذا بات واضح المعالم .. والحديث عن هذه الظاهرة أمر شائك وغير واضح لأننا نعيش في عالم يتغير بسرعة جنونية ولاسيما بعد أن كثر الحديث عن هذه الظاهرة منذ نهايات القرن الماضي وحتى يومنا ومع ذلك لا يزال معناها يشوبه نوع من الضبابية ..فقد بات من الواضح تأثيرتيارات العولمة على ثقافة الأمم ولاسيما مع نهاية العقد الأول من القرن الحالي وهذا أمر حقيقي وواقعي لايمكننا الجدال فيه وذلك بسبب سرعة انتقال المعلومات بل وإلى سهولة الحصول على أية معلومة في هذا العالم باستثناء المعلومات الخاصة بتصنيع الطاقة البديلة وخاصة ما يتعلق منها بطاقة المستقبل بجميع أشكالها.. ومع ذلك التستر المقصود بات من اليسير أن يحصل كل مستخدم أو متصفح للشبكة العنكبوتية على مبتغاه .. حتى أصبحت شرائح عريضة من المجتمعات المختلفة في عالم اليوم تتواصل فكريا وثقافيا مع مختلف النتاج الفكري بهوياته المتنوعة ونشير هنا إلى أن الثقافة الأمريكية تنال النصيب الأكبر من إنتاج وتصدير الثقافة إلى العالم بتوجيه استثمارات بمليارات الدولارات نحو صناعة الترفيه والتكنولوجيا الرقمية عبر تيارات العولمة ،كما أنّ منظومة القيم في الدول التي تستورد تلك الثقافات تتعرّض لهزّات عنيفة مع تلاشي الحدود بين الصواب والخطأ وإخضاع كل الأمور إلى النسبية التي تفترض في النهاية نجاح المجتمعات الغربيّة ووجوب التمثل بهم قيميّاً من أجل تحقيق التقدم والرخاء وذلك على حساب الخصوصيّة الثقافية التي تميز الأمم عن بعضها فالعلاقة بين منظومة العولمة والهوية الثقافيّة للمجتمعات أخذت في الآونة الأخيرة شكلاً أكثر تعقيداً من ذي قبل فقد ظهرت الدعوات إلى خلق منظومة ثقافيّة واحدة ومتكاملة على الصعيد العالمي منذ تسعينيّات القرن الماضي .. ولكن تحقيق ذلك على أرض الواقع اصطدم بالعديد من المشكلات أهمها وجود عدد من مثقفي الدول الذين يجتهدون لاستعادة أصول الهوية الثقافية بصور مختلفة كإعادة إحياء التراث والأعمال الفنيّة أو إعادة إطلاق أفكار الموروث الحضاري كخصوصية تميز بين الأمم و كحل أخير للحماية من الاندثار الثقافي.. هذا الأمر خلق تشابكاً بين الثقافات المختلفة في الدول ذات الأصول الحضاريّة القديمة على تنوّعها وأصالتها وبين مظاهر العولمة المتعددة فظهرت بعض الأصوات الغربية التي تنادي بخجل بضرورة الحفاظ على تراث تلك المجتمعات والحرص على تنوّعها ومحاولة تحقيق التجانس بينها ويبدو أنّ ذلك يعد الحل الأمثل للاستثمارات الغربيّة طالما تحقق الأرباح المرجوّة على النطاق العالمي
لقد بات من الضرورات الملحة لدرجة الحتمية على المثقف العربي المعاصر الانخراط  في رؤية معرفية شاملة تحكمها مبادئ الانتماء للمصلحة القومية وللوطن باتجاه قراءة جديدة للحياة العربية وللفكر العربي وللماضي والحاضر العربيين بعيدا عن أسلوب الخطابات والتهويل والشعارات وعن استقدام مفاهيم لا تمت إلى مجتمعاتنا بصلة تذكر.. فعملية الاستفادة من تيارات العولمة أمر واقع ولكن بعد فصل المفيد عن الضار وهذا ليس عملية سهلة الأداء ولعل الخطوة الأولى تنطلق من التشخيص الدقيق لعدد ليس قليلا من المفاهيم والمصطلحات لوقف حالة تضاعف المشكلة في واقعنا العربي بمستوياته المختلفة .
بسام عمران