رجل في العقد السابع من عمره تستيقظ فيه العواطف والمشاعر والأحلام , وتتجدد فيه همة الشباب وتتفتح فيه القريحة , ويستيقظ الخيال . فها هو ذا يدعونا من خلال أفكاره كي نقبل على الحياة حباً .. مرحاً .. فرحاً وتفاؤلاً وترحالاً ..
بهذه العبارات يقدم لنا ديوان ( أمطار بلا غيوم ) للشاعر عبد العزيز عبد العزيز .
هذا العنوان اللافت الذي اختاره الشاعر لديوانه يبدوإشكالياً فالمطر لا يأتي إلا من الغيوم .. والمطر رمز للخير والبركة والحياة .. فلماذا غيوم الشاعر بلا أمطار ؟!
هل هو خيال شعر وحسب ؟! هل هو عبث ولهو ..؟!!
الشاعر عبد العزيز عبد العزيز من شعراء «زيدل » البلدة الوادعة التي تلتصق بحمص من جهة الشرق وأول قصائد الديوان هو عن « زيدل
» بعنوان « قريتي » فهو يهيم حباً بقريته وبمدينته حمص وببلده سورية ووطنه العربي الكبير فمن لا يحب ضيعته لايحب أحداً .. على حد قوله نقرأ:
بلاد العرب أوطاني
وكل العرب إخواني
وسورية هي بلدي
وجنة كل انسان
وحمص هي محافظتي
وسيطة عقد مرجان
وزيدل قريتي المثلى
وحضني الدافئ الحاني
المدهش في قصائد الغزل عند عبد العزيز عبد العزيز أن شاعرها في السبعين , وهو ينشد الحب بمعناه السامي الذي يبعد الكآبة عن الروح والملل عن القلب .. الحب الذي يجعله يعود شاباً نقرأ من قصيدة ( أنا والزمان ) :
عصر الكآبة ولى بعدما انفرجت
تلك الغيوم وعطر الحب قد فاحا
فأزهر الحب في الوجدان وانتعشت
نفسي أخيراً وخط الوجد ألواحا
تشرين عمري غدا نيسان وازدهرت
أيام عمري وعنقودي غدا راحا
وعندما يسخر بعضهم من الشاعر ويستنكروا أن ينشد سبعيني غزلاً ويصف الحسناوات . يكتب لهم قصيدة بعنوان ( الساخر ) مدافعاً عن نفسه .. فهو يعبر عن أحاسيسه ومشاعره يقول :
أيها الساخر مني
حبذا لو كنت شهما
إن قصدت الذم فاعلم
ذاك مدح ليس ذما
إنما نظم القوافي
ليس تنميقاً ورسما
إنه إحساس نبض
صاغ الدمع المدمى
لقد عشق الجمال شاعرنا عبد العزيز عبد العزيز وهو شاب ولا يزال يعشقه وهو شيخ ملأ الشيب رأسه . عاش مع الحبيبة بسعادة سنوات عديدة ولا يزال .. وهنا ندرك أن المحبوبة زوجته فيا له من وفاء يسجله بشعره يقول في قصيدة ( الحب الخالد ) :
عشقتك في الشباب وفي المشيب
وعشقي سوف يبقى للممات
فأمضينا معاً دهراً طويلاً
نسجنا فيه أحلى الذكريات
وعشنا في وئام وانسجام
كعشاق العصور الغابرات
ويحدثنا عن فتاة استهوته في إحدى السهرات ولما تمكنت من قلبه افتقدها فجأة … فسأل عنها فقالوا لقد هاجرت الى أمريكا .. فأنشد قصيدته ( مهاجرة ) :
ليتنا لم نلتق ذاك المساء
ليته ما تم ذاك اللقاء
ليتني لم أعرف الوجه الذي
في ظلام البدر كالليل أضاء
إن ذكراكم ستبقى دائماً
تسكن الألباب , تجري في الدماء
ذلك هو الشاعر عبد العزيز عبد العزيز الذي يكتب القصيدة العمودية وقلما يكتب قصيدة التفعيلة, أما ما يسمى ( قصيدة النثر ) فهي ليست شعراً كما يرى . ويبدو أن الشاعر من خلال شعره خبر الحياة وعاشر الناس واقتحم الشعر في السبعين من عمره .. وقدم قصائد بسيطة لكنها معبرة عن مشاعر وأحاسيس .. إنها السهل الممتنع .. الجميل.
المزيد...