تحية الصباح .. كالضّوءِ الدّاخلي!

في بدْءٍ، فأنا لا أريد لقارىء هذه «التحيّة»، أو هذا «النصّ»، أو هذا «الرّأي»، ما تبادر لذهنه من مرامي العنوان، بالشكل المؤطّر، بل قصدتُ مرمى آخر، وغاية أخرى.. ما قصدْته، هو الدّعوة الصادقة، للإيمان بمبدأ «القوّة في النفس» – و «الأصالة بالسلوك والموقف»، ومعرفة أنّ النفْس الصّافية، كقطرة المطر النقيّة، وأنّها «النّبع الأول»، للمعرفة والرّجولة ونَسْغ الحياة، وهي عين الحقيقة، وأسُّها الاجتماعي، وهي المبتدأ والخبر، بمطالعِ الخطو ومُنتهاه، بِكلّ عصرٍ، كلّ مطرح، وهي على حدّ قول أحدهم:
«والنّفسُ رَاغِبةٌ إذا رَغَّبْتَها وَإذا تُرَدُّ إلى قلِيلٍ تَقْنَعُ»…
إنّ الإنسان– مُبدِعاً كان أو غير مُبدِع – مُطالبٌ أنْ يكون سلوكه الشخصي «كالضّوء الداخليّ» الساطع، يشعّ، يضيء، من دون أنْ يعميَ القلوب، أو يذرّ الرّماد بالعيون، بل أنْ يكون إنساناً اجتماعياً لبِقاً، يعرف بِحنكةٍ ودرايةٍ تامّتين، كيف يجمع الناس إليه – بقلمه بِحديثه بِحضوره، ومتانة شخصيته – إلى قلبه وكيانه، كيف يلفّهم، كيف يؤنسهم، كيف يعاملهم، كيف يخاطبهم بكلامٍ حَسنٍ، حتى أصبح لديه كالطبع المَفطور، كالسّجيِّة المُتأصّلة، و»الطبع دائما يتفوّق على التطبُّع».. بهذا الصَّدَد، لا بدّ من القول: إنّه لَمِنْ الأسف، أنْ نرى بأيامنا الرّاهنة، رؤية البصر والبصيرة، اتّساعَ مظاهر «الضّعف»، و «الأنوثة المَائِعة»، و»نقص الرّجولة»، بسلوكات البعض من الجنسين، كباراً كانوا أو صِغاراً، بملابسهم، ومواقفهم، وتصرّفاتهم، وأحاديثهم، بحيث لا تنسجم البتّة، مع سلوكات الأناسِيّ الأصحّاء بعقولهم وقلوبهم، ممّا يقول معه المرءُ «لقد سقطَ القِناع»، (وإنّ أخوفَ ما نخافُ على شباب هذه الأمّة وشابّاتها، أعني تحديداً «الضّعفاء الهزيلين السَّلبيّين» – كما يقول الكاتب المازني – أنْ تجد أمثالُ هذه الجراثيم ثرىً صالِحاً في نفوسها، في وقتٍ هي أحوجُ ما تكون، لِمَنْ يبذرُ فيها بذورَ القوّة، ويدفعُها دَفْعَاً إلى تَطلُّبِ الحياة العالية)! بلا أدنى لَفٍّ أو زيف، نحن مُطالبون كأمّة وكشعب وكبشر، أنْ نجلس صباح – مساء، مع أنفسنا، مع فنجان قهوة مُهَيَّلة، أو منْ دون هِيل، وأنْ نقوم بوعيٍ وإرادةٍ، بتصفية حساباتنا، وغرْبلِة تصرُّفاتنا: (أين أصَبْنا، أين أخطأنا)، لنضع أيدينا باهتمامٍ بادٍ، على مَوَاطِن الخَلَل، ومطارِح الخَطَل، قصْد المعالجة والتقويم، والتدقيق والمحاسبة، بعيداً عن «الأنا» العاطفية المرفوضة.. نعم، علينا القيام، بتقييم بِضاعتنا «الرّوحية»، قبل «المادية»، لِتقويم الاعوجاج، والانطلاق نحوَ التجدّد والإبداع والتحرّر .. لو قمنا بهذا دون تردّد، أو خوف، أو توجُّس، لعَرَفنا بالحدْس واليقين، أنّنا منْ أبناء هذا المجتمع حقّاً، منْ أبناء الحياة طُرّاً، أوّلاً وآخِراً! إنّ الإخلاص والصّدق بالقول والعمل، هما ما يمِيزان الإنسان الحقّ عنْ باقي الكائنات الحيّة، تلك التي تزحف وتدبّ، تنطّ وتَتَعَمْشَق، تركض وتتسلّق، تقفز وتعدُو، تطيرُ وتسبح؛ وهما أعني: «الإخلاص والصّدق»، يقضيان على التزوير الفاضِح، والتهويمات الكاذِبة، والمواقف الهَشّة، بهما , ويجب العمل ما وسعنا من الجهد والإرادة والوعي، على تطهير حياتنا منْ مظاهر القبح، بكلّ شيء، أوّلها: تطهيرُ ألسنتنا منْ فُحْشِ الكلام وبذاءته، بحيث علينا غسلها دائماً بالماء النظيف، والصابون المميّز، «… وَقُولُوا للنّاسِ حُسْنَاً…»! السؤال: هل باستطاعتنا حقّاً، أنْ نتغلّبَ على عيوبنا وضعفنا وأخطائنا وسقطاتِنا، لنغدوَ – بنظر أنفسنا أوّلاً، وبنظر الآخَرين تالياً – بعيدين تماماً عن «الضّعْف»، و «الأنوثة البلْهاء»، و»نقص الرّجولة» – بخاصة شرائحُ الشباب، من الجنسين – بالمعنى الذي نوهّنا إليه طيّ السّياق، وخلال سَحَائِبِه، لتأتي أعمالنا وتصرّفاتنا وعلاقاتنا وأحاديثنا بنهاية المطاف ريّانة، مُثمرة، بكلِّ حقٍّ وخيرٍ وجَمال، ونحن نتغيّا مستقبلاً مشرقاً لنا ولأولادنا وبناتنا، فلذات الأكباد، ناشِدين غداً وضّاء، وحياة أكثر تماسكاً، وتصالحاً مع الذات، ومع الآخَر، واختِزالاً: من أجل وطنٍ عزيزٍ غالٍ، نحن سكّانه وأبناؤه ومُواطنوه ومُحبُّوه، العاملون على بنائه، وإعمار وترميم ما تهدّم منه، بفعل مؤامرةٍ كونيّةٍ صادِمة – من الداخل والخارج – ليكون له حضورُه اللائق بين الأمم، كما كان، وكما تريده الجماهير.

وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار