في آخر زيارة له إلى صحيفتنا «العروبة » قبل أربع سنوات ،كان الراحل ممدوح السكاف متعباً ومكتئباً ..!!وتشعب الحديث معه ..من الشعر إلى السياسة إلى النقد الأدبي…سألناه عن كتابيه المخطوطين عن الشاعرين الحمصيين «عبد السلام عيون السود «و»وصفي قرنفلي «فأجاب بأنهما بحاجة إلى مراجعة قبل النشر .
ممدوح السكاف الشاعر والناقد ،من وجوه حمص الثقافية البارزة ، جاءنا نعيه- رحمه الله – قبل أيام ، وآخر تكريم أقيم للراحل كان قبل ثلاثة أعوام في اتحاد الكتاب العرب ،حيث لم يتمكن الشاعر من حضوره لأسباب صحية ،فأرسل كلمته مسجلة للحفل ،خمس وعشرون سنة كان فيها السكاف رئيساً لفرع حمص لاتحاد الكتاب العرب ..وقبلها نقيباً للمعلمين بحمص كما عمل مديراً للمركز الثقافي فيها …ومدرساً للغة العربية لسنوات في ثانويات حمص ودار المعلمين .
تعرّفت على الشاعر السكاف قبل ثلاثين سنة ،زرته في مكتبه في فرع كتاب حمص ،وكان مقّره قبالة مبنى البريد الحالي قبل أن يصبح في شارع الغوطة .تقدمت له بقصة قصيرة لمسابقة فرع الاتحاد السنوية ..ونلت فيها المرتبة الأولى .لكن السكاف أصرّ أن يتحفني بمحاضرة وعظية جميلة عن أهمية المطالعة لصقل الموهبة وقال «اقرأ كثيراً ..واكتب قليلاً ».
عشق كبير ربط ممدوح السكاف بمدينته حمص .وكان مرجعاً تاريخياً ثقافياً لها وكان لا يبخل بمساعدة من يود أن يعرف شيئاً عن تراث حمص الثقافي .وأذكر أنني طلبت منه قصيدة «ظلال » للشاعر الراحل عبد السلام عيون السود فجاءني بها في اليوم التالي مكتوبة بخطه الجميل .وعندما أصدر الشاعر ممدوح السكاف كتابه «الشاعر الرومانسي عبد الباسط الصوفي –دراسة في حياته وشعره «كان الكتاب ولا يزال المصدر الوحيد النقدي عن شعر الراحل الصوفي وكرس الكتاب ممدوحاً كناقد أدبي إضافة لكونه شاعراً فذاً من شعراء الحداثة .
هذا العشق لحمص جعل السكاف يقطع إعارته كمدرس للغة العربية للجزائر الشقيقة في سبعينيات القرن الماضي بعد سبعة أيام من وصوله إليها …ويعود إلى حمص !!
ثمة حواران أجريتهما مع الراحل السكاف أحدهما نشرته صحيفة «البعث» والثاني نشرته مجلة «العواصف «اللبنانية «ولكنه ،قبل أن نبدأ الحوار أهداني مجموعاته الشعرية وطلب مني قراءتها ثم استنباط الأسئلة ..!!وإلاّ كيف يكون الحوار على حدّقوله ؟!!
لم يكن ممدوح السكاف يجامل أحداً فهو في نقده لا سيما لعمل أدبي يقول ما على العمل أولاً ثم ما له ثانياً .
بدأ ممدوح السكاف كاتباً للقصة القصيرة فنشر خمساً وعشرين قصة قبل أن يلتفت للشعر وينشر عدة دواوين أهمها «مسافة للممكن مسافة للمستحيل –في حضرة الماء –انهيارات –فصول الجسد –الحزن رفيقي –على مذهب الطيف …»وعدة مجموعات شعرية للأطفال
رحل الشاعر الأنيق الكلمات ..صافي اللغة ..صاحب المخيلة الباذخة ،المحبّ للحياة على الرغم من قساوتها …رحل عن إحدى وثمانين سنة …رحمه الله …
عيسى إسماعيل