أليس مؤلماً إلى حد الوجع أن ترحل ذاكرة حمص بلا ذاكرة؟! وأن يموت بعيداً عن حمص التي أحب فيها كل زقاق وكل ساقية وكل شجرة أكاسيا؟! إنه العدوان الكوني على سورية الذي استهدف البشر أولاً وثانياً وعاشراً… وأكاد أزعم بلا تردد أن الأديب ممدوح السكاف كان ذاكرة مدينة حمص ، وقد صحبته على مدى نصف قرن ورأيته لا يقل كذاكرة لمدينة حمص عن الأستاذ الأديب الراحل – رضا صافي – طيب الله ثراه ، ولكن رضا صافي أفرغ هذه الذاكرة في كتابه الثمين – على جناح الذكرى – بينما كان ممدوح السكاف يفرغ هذه الذاكرة الغنية مشافهة ويبدو أن هذه الذاكرة ضاقت بما حملت ، لذلك فارقت صاحبها في سنوات العدوان على سورية والغربة القسرية.
لقد كان ذاكرة وطنية صافية ، وقد روى لي أنه وقف أمام موقع حمص القديم يشهد عظمة اللحظة في رفع علم سورية الوطني على سطح الموقع في يوم الجلاء وكان في الثامنة من عمره ، وكم قال لي : إن تلك اللحظة التاريخية العظيمة قد تكون أول لبنة في مدماك بنائه الوطني .
وكان الأديب ممدوح السكاف ذاكرة ثقافية وصحفية أصفى من ماء الخلجان ودموع الأطفال ، فقد عمل مبكراً في الصحافة الحمصية ، فكان يكتب في مجلة – الينبوع – لصاحبها : عبد الودود تيزيني – مقابل نصف ليرة سورية. كما كتب في : العهد الجديد والخمائل والعروبة – وفي لبنان نشر قصائده في مجلة الآداب ، ولا أنسى يوم ذهبنا معاً الى مكتبة – بدري الجد – نبحث عن أعداد مجلة – المكشوف – البيروتية لأن الشاعر وصفي قرنفلي كان ينشر فيها في الثلاثينيات والأديب ممدوح كان يعد كتاباً عن الشاعر وصفي قرنفلي ، ويومها عثرنا على المطلوب ونلنا المبتغى بعدة أعداد من مجلة المكشوف وفيها قصائد لوصفي قرنفلي ومن المؤلم – وما أكثر الآلام في العدوان على سورية – أن مخطوطي كتابين قد احترقا مع مكتبة السكاف وبيته ، المخطوط الأول عن الشاعر وصفي قرنفلي والمخطوط الثاني عن الشاعر عبد السلام عيون السود .
وقد أغنى عمل الأديب ممدوح السكاف ذاكرته الصافية فقد عمل مديراً للمركز الثقافي ، ورئيساً لفرع اتحاد الكتاب العرب في حمص ، وكم حدثني عن الأمسية التي أقامها للشاعر محمود درويش واستطاع في وقت ضيق أن يحشد جمهوراً لم تعرفه أمسيات حمص الثقافية ، وهذا ما كان أيضاً في أمسية للشاعر : ( عمر أبو ريشة ) فالجمهور كان يقف خارج القاعة ويملأ الطريق .
والأهم في هذه الذاكرة الثقافية أن ممدوح السكاف كان شاعراً في حياته كما كان شاعراً في إبداعه فلم يكن لديه أي وقت للكراهية واللغط والثرثرة ، وإنما حب وتثقف وابداع ولذلك كان ذاكرة إنسانية إبداعية رائعة وراقية !!
د.غسان لافي طعمة