الحديث عن التراث في مدينة ما أو محافظة ما ، لا يعني بحال من الأحوال أن هذا التراث ظاهرة خاصة بهذا المكان بل ربما لا نستطيع الحديث إلا عن تراث سوري متكامل لاسيما في الغناء والموسيقا.
وتاريخ حمص غني بهذا المجال ولعلنا نبدأ من تاريخ وصول حملة إبراهيم باشا إلى سورية وإلى حمص بالذات في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، حيث سعى القائد المصري إلى التواصل مع الشعراء والموسيقيين لأنه أراد أن يكسبهم إلى جانبه ، في خطة ذكية تبين دور الفنانين المغنيين والموسيقيين في استقرار المجتمع ونهضته لأن الفن صورة المجتمع الحضارية في جانبها الترفيهي .
قيل لإبراهيم باشا إن في حمص شاعراً اسمه ” أمين الجندي” فسعى إليه وقرّبه منه ، وكانت شهرة الجندي قد ذاعت وانتشر صيته كشاعر ” قدود” غير أن شعره قد وجد صيتاً واهتماماً وتلحيناً في حلب فارتبط اسم القدود بحلب ” القدود الحلبية “لكن في الدراسات الحديثة عادت لتصبح ” القدود الحمصية” لاسيما بعدما صدر كتاب الدكتور عمر موسى باشا عن القدود وأمين الجندي .
وشعر الجندي كان مناوئاً إلى حد كبير للتسلط العثماني الذي وجد فيه إبراهيم باشا ما يبحث عنه وعن كل ما هو ضد هذا التسلط.
إن محطة “أمين الجندي “المعروف بالشيخ أمين الجندي محطة هامة في تاريخ حمص الغنائي والشعر المكتوب من أجل التلحين والغناء وهو مبتكر لفن القدود شعراً ولحناً كما يقول الباحث بري العواني في إحدى دراساته عن الحياة الموسيقية والغنائية في حمص .
وقدود الجندي كانت شائعة ومغناة في حمص وحماة وحلب ودمشق وسلمية والجندي تلميذ نجيب لقطب العصر عمر اليافي الشاعر الصوفي الشهير .
وقد جاء بعد الجندي فنانون مبدعون أمثال محمد الشاويش (1848-1944)ومحمد نور عثمان ونجيب زين الدين وعبد الرحمن الزيات في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ،وصولاً إلى الفنان الشهير عازف البزق محمد عبد الكريم (1905-1989).
ويلي هذه المرحلة ظهور الأندية الموسيقية والمسرحية والغنائية في حمص بدءاَ من عام (1919)حيث تأسس النادي العربي كفرع للنادي الرئيسي بدمشق ثم (نادي دوحة الميماس )في ثلاثينات القرن الماضي وفي الخمسينيات تأسس /نادي دار الألحان /ثم نادي الفنون /الذي صار اسمه /نادي دار الفنون /واشتهر بقيادة الفنان زيد حسن آغا , ثم /نادي الخيام /ونواد أخرى كثيرة .
غير أن نادي دوحة الميماس هو الأقدم والأشهر والمستمر إلى يومنا هذا بفرقته الموسيقية والغنائية وقد ارتبط اسم الباحث والمسرحي والفنان بري العواني بالنادي ،حيث ترأسه لفترة طويلة وحتى وفاته قبل ثلاثة أعوام .
ولعلنا نذكر فرقة موسيقا الشرق بقيادة الفنان الدكتور عصام شريفي ….
هذه نظرة سريعة لتطور الغناء والموسيقا في حمص وللأسف الشديد لم يصدر كتاب يوثق الحركة الموسيقية والغنائية في حمص وهذا يحتاج إلى باحث فني وإلى جهد كبير وإحصائيات وبيانات ووثائق ومذكرات ..والأهم إلى جهة رسمية تتبنى الكتاب…!!
عيسى إسماعيل