« وفي الليلة الألف , وعندما أضمر شهريار في نفسه أنه سوف يستغني عن شهرزاد , قال في نفسه لأستبقيها ليلة أخرى , فلما كانت الحكاية الأولى بعد الألف توسلت له شهرزاد أن يبقيها كرمى لأبنائها الثلاثة , فشعر بالود والرحمة وقال لها : « أستبقيك لأنك عفيفة , نقية , وحرة تقية .»
هذا الأسلوب المشوق في القص يميز « ألف ليلة وليلة « كأثر إبداعي تراثي عربي , ترجم الى كل اللغات الحية منذ قرون واشتهر باسم « الليالي العربية » وهو من نتاج القرن الثامن الهجري أي الرابع عشر الميلادي . ويقع هذا المؤلف في أربعة أجزاء كبيرة ولما كان من الصعب اقتناء هذه المجلدات فقد ظهرت ملخصات عنها في كتاب واحد بعضها كان اختصاراً مدروساً ينتقي بعض الحكايا وبعضها كان تشويهاً ليس فيه اختيار صحيح للحكايا ولغة عصرية ذهبت بحلاوة اللغة التراثية ومدلولاتها .
ألف ليلة وليلة – مؤلف اشتهر في تاريخ الأدب العربي مثل « الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني و « الأمالي» لأبي علي القالي و « البيان والتبيين» للجاحظ غير أن « ألف ليلة وليلة « يفوقها شهرة وعالمية .
ومناسبة الحديث عن هذا الأثر التراثي هو ظهور كتاب فيه أربعون حكاية من ألف ليلة وليلة ويذكر المؤلف فيه أن أول نسخة « مطبوعة من الكتاب كانت في مطبعة بولاق عام 1831 م . وهذا يجعلنا نتساءل كيف وصل الكتاب الى أوروبا قبل هذا التاريخ بكثير لأن شكسبير ذكر « الليالي العربية » في بعض مسرحياته وشكسبير ( 1564-1616 ) أي قبل التاريخ المذكور لطبعة بولاق ؟!! فهل انتقل الكتاب كمخطوط وهذا أكيد وتمت ترجمة المخطوط الى لغات أوروبية ( الانكليزية ثم الفرنسية ثم بقية اللغات الأوروبية ) …
غير أن القول إن بعض المفردات والعبارات في حكايات ألف ليلة وليلة جاء بلغة غير أخلاقية فهذا قليل ولكنه لا ينقص من أهميتها وشأنها كأثر تراثي عالمي شهير .
فالملكة شهرزاد أو الأميرة شهرزاد تحكي الحكايات لزوجها شهريار وهي حكايات عن بلدان متنوعة وفيها أفكار متنوعة لكنها ذات مدلول اجتماعي وأخلاقي وتعطي فكرة عن الناس والبلدان والعادات والتقاليد والأخلاق ولعل عالمية هذه الحكايات جاءت من كونها تعري طبيعة الإنسان في كل زمان ومكان من حيث غرائزه وكوامن الطمع والحسد والغيرة والحب والبغضاء , بأسلوب قصصي مدهش وممتع وهذا ما جعل دور النشر العربية تحرص على إصدارها ونشرها في طبعات متتالية .
ويغلب جانب الخيال فيها وهو خيال خصب محلق وأبطالها أحياناً من الجن وهذا من الحيل الفنية التي تساعد المؤلف على إقامة جسر بين الممكن والمستحيل وساعدت على حل العقدة القصصية بأسلوب ممتع .
ولعلنا نختم كما بدأنا , مع شهرزاد وشهريار فقد فرحت شهرزاد لأن الملك شهريار أعلن أنها حبيبته الى الأبد فأثنى عليها أمام الناس وعلى حسن تربيتها لأبنائه وأقام الأفراح في المدينة ثلاثين يوماً وتصدق على الفقراء والمساكين وأقام هو ودولته في نعمة وسرور وحبور حتى أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات …!!
عيسى اسماعيل