بعيداً عن الميثولوجيا الموغلة في القدم عن الرقم /7/ فإن لهذا الرقم خصوصية ثقافية واجتماعية.. وتكاد كل الثقافات لها اهتمام بهذا الرقم “السابع” فأيام الأسبوع سبعة ، وهناك السموات السبعة .
وها نحن في الشهر السابع الذي يبدأ في أول يوم منه النصف الثاني من العام ” شهر تموز” وإذا كان المثل يقول في “تموز يغلي الماء في الكوز” فإن هذا تعبير عن ارتفاع درجة الحرارة فيه إلى حد كبير، فهو مركز الصيف ، وبداية الشهر السابع تعني بداية العد التنازلي نحو نهاية السنة الميلادية.
ثمة أحداث في التاريخ شهدها هذا الشهر لعل أهمها على المستوى العربي ثورة الثالث والعشرين منه في مصر عام 1952 الثورة التي أطاحت بالعهد الملكي وأخرجت الملك فاروق آخر ملك من سلالة محمد علي باشا ، خارج مصر ، وأعلنت الثورة قوانين التأميم والنهج الاشتراكي .. وكانت أول ثورة في الأقطار العربية تطرح مثل هذه المبادئ ، وأن الشعب يجب أن يكون حراً وله حقوقه وأن المساواة والعدالة هدف لها .
قرأت كثيراً عن ثورة تموز ” يوليو” كما يسميها أشقاؤنا المصريون واللافت أن ” الضباط الأحرار” الذين قاموا بها ينتمون بأكثريتهم إلى الطبقة الكادحة الفقيرة ومن منبت عمالي وفلاحي ، وقد واجهوا صعوبات في الانتساب إلى الكلية العسكرية من جهة ومن جهة ثانية يمكن القول إنهم الدفعة الأولى القليلة العدد، يومها التي أتمت تحصيل التعليم ونالت الثانوية العامة التي أهلتها لدخول السلك العسكري… نقول إن عدد الضباط المنتمين اجتماعياً إلى العمال والفلاحين كان ضئيلاً، ولكن هؤلاء بما يحملون من فكر مستنير وطموح لرفع شأن المجتمع الفقير بأكثريته، واعتمادهم- وهذا هو الأهم- على الجنود المتطوعين الذين جاؤوا من الريف المصري الفقير ومن الصعيد، على وجه الخصوص، كل هذا جعل ثورتهم تنجح، صحيح أن المقدم جمال عبد الناصر ورفاقه، دخلوا التاريخ كقادة للثورة بحكم موقعهم، لكن الفضل الأكبر في انتصار الثورة هو لآلاف الجنود والعسكريين ذوي الرتب الصغيرة، … كما لا ننسى الملايين من الشعب الذين نزلوا إلى شوارع القاهرة والمدن الأخرى ، يهتفون مؤيدين العهد الجديد الذي يعدهم بتحسين أحوالهم وتمليكهم الأرض والمعامل وهذا شعار سحري عمل عمله في نفوسهم .
في مؤلفات محمد حسنين هيكل الذي كان أحد قادة الثورة والناطق باسمها الإعلامي والسياسي المعروف ، يؤكد حقيقة هامة ، ظهر مدلولها جليّاً فيما بعد، وهي أنه في ليلة قيام الثورة ، واستيلاء الجيش على دار الإذاعة ووزارات الدولة، لاسيما وزارة الدفاع، وفرض الإقامة الجبرية على الملك قبل ترحيله، كان أنور السادات ، يعرف بحكم حضوره الاجتماع الأخير للضباط الأحرار، قبل قيام الثورة بأيام ، يعرف تفاصيل الخطة ولم يكلف بعمل عكس باقي الضباط الأحرار، فأخذ إجازة ليومين، وجاء إلى القاهرة من السويس ، حيث كان يخدم ضابطاً برتبة مقدم، واصطحب زوجته إلى السينما، وافتعل حادثا ً في السينما هو شجار بينه وبين صاحب السينما، وأصر على تسجيل الواقعة في أحد أقسام الشرطة في القاهرة والهدف كما يرى هيكل أن يتبرأ السادات من كل مايحصل في حال فشلت الثورة والدليل أنه كان في إجازة,, وضبط الشرطة يؤكد ذلك ولكنه بعدما تأكد من نجاح الخطة نجاحا ً كاملا ً، هرع إلى مقر وزارة الدفاع حيث اجتمع مع الضباط الأحرار،وأعلن أنه منهم ومعهم مع أن دوره كان ثانويا ً جدا ً في الحركة .
الحدث الآخر التموزي الذي يدعو إلى الفخر والاعتزاز العربي هو هزيمة الصهاينة المعتدين في حرب تموز 2006 في لبنان فالدعم السوري للمقاومة، جعلها تنتصر على المعتدين الصهاينة الذين دمروا الكثير من البنية التحتية اللبنانية ، لكنهم في النهاية توسلوا وقف إطلاق النار وتكبدوا خسائر فادحة جداً، وكانت المفاجأة السلاح الفعال للمقاومة والتدريب العسكري الذي أثمر هذا الانتصار على العدو الصهيوني.
عيسى إسماعيل