الجزء العاشر من مسلسل “ باب الحارة “ مثله مثل الأجزاء التي سبقته لا يضيف شيئا ً بالمعنى الفني والثقافي ، فبعد الأجزاء الثلاثة أو الأربعة الأولى / لم يعد المسلسل يأتي بجديد، وإذا كان الحكم على العمل الفني ليس بالأمر السهل ، وهذا صحيح، غير أن هذا المسلسل الذي حقق شعبية في أجزائه الأولى على أنه يؤرخ فنيا ً للحارة الدمشقية .. غير أن هذه الميزة اختفت من الأجزاء التالية لأن هذه “الحارة “ لم تكن بالحالة التي أصر المسلسل على تكريسها من الناحية الاجتماعية .
فإذا كانت الحارة الدمشقية أو الشامية هي رمز لدمشق ، فإن دمشق لم تكن كما أرادها المسلسل مغلقة بباب كبير .. بل إن الشام ، عبر العصور ، كانت وجها ً ثقافيا ً وحضاريا ً .. وقوميا ً وحالة نضالية في أواخر الاستعمار العثماني ثم الفرنسي، ودمشق في القرن العشرين من بدايته إلى اليوم هي ( قلب العروبة النابض) كما قال عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطابه الشهير إبان الوحدة من شرفة قصر الضيافة بدمشق .
أن تتحول الحارة الشامية إلى دسائس ومكائد وزعامات متصارعة على منصب المختار أو في صراع مع الدرك ( المخفر) وقصص حب غير مقنعة في سياقها التاريخي الاجتماعي فهذا تقزيم لهذه الحارة التي هي رمز المجتمع الدمشقي، فالحارة الشامية هي عينها الحارة الحمصية أو الحموية أو اللاذقانية . أما النظر إليها بمنظار ضيق وحكايات مسلية فهذا غير صحيح البتة .
الأحداث والقصص التي يتحفنا بها المسلسل على صعيد الشخصيات ،بعضها غير مقنع،تضيف عنصر تشويق.. هذا صحيح ولكن هذا مع تتالي الأجزاء يصبح أمرا ً مبتذلا ً ومكرورا ً .
وهذا الباب الضخم الذي يفتح ويغلق وكل من يدخل أو يخرج يكون تحت المراقبة الشديدة، قد يكون له حضور ما في الحارة أي حارة في أي مدينة سورية ،ولكن المبالغة في أهمية أن يعطي صورة أن هذه الحارة وغيرها من الحارات منفصلة عن بعضها البعض وتتعامل بحذر مع بعضها البعض ، أما المرأة الشامية ،في المسلسل فالصورة عنها غير صحيحة البتة ، فهي ليست “ ضلعا ً قاصرا ً “ بمعنى الكلمة وبمبالغة شديدة من المسلسل صحيح أنها كانت تحت السلطة الذكورية ، ولكن كان لها رأيها كأم وزوجة وأخت ، وبعض النسوة كن مديرات للمنازل ولهن الرأي الأهم في مسائل تزويج الأبناء والبنات مثلا ً ..!!
أما موضوع المبارزات بالسيوف والسواطير ، فكان أثره سيئا ً على أطفالنا الذين شاهدوا المسلسل وهؤلاء صاروا يقلدون أحداثه فهذا “ الزعيم “ .. وذاك أبو عصام .. والثالث معتز .. ويبدؤون العراك .. لهدف يجهلونه سوى إظهار القوة والعنتريات .. والهيبة الفارغة .
أما الأحداث التي أقحمت في سياق المسلسل فهي كثيرة وغير مقنعة وجاء بعضها بلا أي تمهيد .
الدراما السورية نهضت في العقدين الأخيرين قبل بدء المؤامرة الكونية على بلدنا , أي في العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن، وصارت مطلوبة في البلاد العربية وتحظى بمساحة لا بأس بها في الفضائيات وصارت منافسة للدراما المصرية وهذا صحيح ، غير أن المحافظة على النهوض والنجاح تحتاج إلى أفكار جيدة وأحداث جديدة وأسماء جديدة .. لا أن نكرر الأفكار والمشاهد عشر مرات وفي كل مرة ثلاثون حلقة..
ونحن القادمين قريبا ً جدا ً على مرحلة الإعمار .. نحتاج إلى عمل مبدع في مجالات الفن والثقافة لإعمار النفوس فالإعمار والبناء النفسي للمواطن العربي السوري سيشمل الأدب والثقافة .. والفن بجميع وجوهه .. لاسيما الفن الدرامي .
عيسى إسماعيل