تسمو مهارة التذوق في مكامن النفس انطباعات عفوية , هي صدى تكوين بنيوي لذات الإنسان , أكان ذلك في معطى البصر رؤية أو معطى البصيرة رؤى .
وتحظى معطيات التبلور الجمالي ضمن مطالعات متجددة لقراءات الواقع بلغة الفهم وسعة الإدراك , ومرايا المصادر والمراجع لمفهوم الجمال بالمعنى المعرفي لدلالة الكلمة , مفهوماً ولتصور « التفضيل الجمالي» مصطلحاً .
إذ عند ذلك لا تكون الأفكار الصادرة نحو عمل ما , منتجاً انطباعي الهوى , بل يصقل ذلك كثير من محددات الوعي الجمالي وفق نظريات علم الجمال والتي يؤسس لها وفيها البعد القرائي , النوعي الأداء في قراءة البحث والتقصي بما يوافق القراءات النقدية العالمة والكامنة في تجذرها بدلالات المحتوى للمادة القرائية والرسائل الضمنية لمنتج صوغ سلاسل من جمل وعبارات وتراكيب مقصودة باصطفائها وكلمات مدروسة في انتقائها وفق حصافة المادة المعرفية التي غايتها : المتعة والفائدة حتى لتبدو صوغ لوحة هي نتاج مبدعها واقعاً ولكن هي نتاج جهد إنساني مبدع تداخلت روافده عبر قراءات ليغدو بمقال المادة الآنية رحيق تطوف دائيات لقامات معرفية في سعة علوم , وتنوع معارف , وغنى تجارب , وتثاقف حضارات وهذا يقوى على قدر ما تنفح به مفردات المادة صدى لمعين مبدعها ضمن ثنائية إبداعه الخاص , وإبداعات غيره في الحقل المعرفي العام . ومن هنا تكتنز الفكرة مكين مخزونها كونها غدت نبضاً معرفياً , هي سردية تواصل ثقافي وتفاعل إنساني وفق صور ابتكارية , وأساليب مختلفة وإضافات عقلية ووجدانية بناءة الغايات تتخذ مدارات تحاكي ميول واتجاهات وحاجيات الفروق الفردية لدى الناس قراء ومتابعين , فيلاقي كل ضالته في مقاربة مايرغب أو يهتم به والقارىء الجميل ، هو الحاضر قيمة مضافة ، هامة المكانة في تمثل مايقرأ والاغتباط والتقييم، ومن ثم التقويم لما قرأ ، لأنه يضيف غناه المعرفي على حيثيات ماقرأ دراية فطنة ، ونبالة رقي في تكريم جهد إبداعي وتكريم رزانة جهده قارئا ً أيضاً فتزداد المثاقفة صقلا ً وتتنامى المعارف، أكانت عضوية التماثل ، أو جدلية التصورات .. فبكلا الأمرين هو لقاء عقل بعقل وقراءة بتناص ومساحة رؤى بغيرها، وعندئذ يصبح المقال المنشور كفاءة كاتب وقارىء، قاسمها المشترك حب المعرفة، وتقدير الإبداع ، والبحث عن شذرات كل جديد ، حتى ليغدو المقال نتاج كليهما معا ً ، وسعادة ذلك كلمة شكر تقال ، أو وجهة نظر تضاف أو تقدير يقدم أو احتفاء همسة، هي أغرودة شدو على أفنان محتد كريم لمجال قارىء جميل .. نبيل . وفي تراثنا قال الجاحظ « إن السامع لايقل ذكاء عن المتكلم» أجل القارىْ هو متكلم مبدع عبر قراءته الواعية المتبصرة الفاقدة في مغامرة المعنى والمبنى .
وفي التراث والواقع ما أكثر من قال : لو عاودت كتابة مانشرت لعدلت وقلت .. أو آخر يقول كان الأحرى بالشاعر أو الأديب أو المفكر لو قال : … لكن منطق الأشياء والحياة أن كل مرحلة لها شرطها ،ولكل حالة ظرفها .
إن القراءة فن يقظة الكلمات على شعور/ قراءاتنا المثقفة تبعث فيها طاقة الدلالات والمرامي فنمكن أنفسنا من فن إدارة وتنظيم الوقت ، ونمنح أنفسنا فضاءات ، مداها آفاق من سعادة المعرفة في عصر التدفق المعرفي ، والحتميات التقنية ،وتداخل الرؤى والمفهومات والمصطلحات والنظريات وطفرات الواقع الإنساني المعيشي وتباين تضاريس منظومات القيم بأنواعها ضمن صراعات الحياة في جانبيها المادي والمعنوي، وغلبة جانب على آخر ، وإحساس المرء بانكسار كثير من قيم معنوية أمام جشع أرباب قيم مادية، وواقع إنساني ، قسم كبير فيه ، ومنه مسلع .
إن القارىء الجميل يجسد شرفات الأصباح المتتالية النافحة بعبق أصائص الورود والشهامات قيم ثقافية موفية إنسانية ، مداها حقول وحقول من فضاء رحب لدور حرف في إشراقة قارىء ونبل فكرة في سعادة قيمتها مكرمة في مكارم جماليات هذا القارىء الجميل .
نزار بدور