كان اكتشاف الانسان للنار نقطة تحوّل كبرى في حياته، وارتفع حضورها ومفهومها إلى آفاق ذات دلالات خاصّة، فكانت النّار التي تقبّلت قربان هابيل، ونار إبراهيم التي أنجاه الله منها، والنار التي آنسها موسى، وكانت تُوقَد في بعض الأماكن ليلا ليهتدي السّارون بالليل في مناطق تحتاج لشيء من ذلك، وككلّ الأشياء القابلة لأنْ تكون في هذه الخانة البانية، وتلك الهادمة، كانت بعض استعمالاتها، والذي أخذني إلى هذا الفضاء شيء مؤلم، ومثير للقلق وللفزع في آن واحد.
في كلّ عام تندلع الحرائق في بعض المناطق ، بعضها ناتج عن فقدان المسؤوليّة لدى بعض المواطنين، كإشعال النار وعدم إطفائها، وبعضها الآخر بفعل فاعلين من أجل اكتساب مساحة هنا، أو بُقعة هناك، ورغم أنّ القوانين الخاصة بحماية الأشجار رادعة ، إلاّ أنّ العلّة، كما هو معروف، في التطبيق، وذلك التطبيق إنّ حدث فإنّه لايطال إلا بعض الناس ، في زمن نحن أحوج مانكون فيه للرئة الخضراء المنقّية للجوّ، والناشرة للجمال.
في هذه السنة أضيف نغم حرائقيّ آخر طال حقول القمح، في العديد من مناطق سوريّة، ماتكاد تُستثنى منه منطقة، ففي جنوب البلاد يُضرم العدوّ الصهيوني النار في الحقول ليقطع أرزاق العباد، في سنة كانت من أفضل ماعرفتْه هذه البلاد من حيث مطر السماء منذ أكثر من أربعين عاماً، ثمّ يأتي مَن يُوقد الحريق ليقضي على الأمل الذي تولّد في قلوب المزارعين,و كانت الحرائق لافتة، حتى ليتساءل الانسان من الذي له مصلحة في ذلك سوى العدو الصهيوني بفروعه المعروفة والمستترة، من بقايا الذين انتسبوا إلى الفكر الداعشيّ، المشغول بأيدي شياطين الجنّ والانس،.. عشرات الحرائق، وإمكاناتنا الاطفائيّة ليست بسويّة مايُثيرونه من خراب.
في شمال الجزيرة السوريّة ثمّة حرائق متعمَّدة للمحاصيل المُنتَظَرَة تقوم بها بعض الفصائل الكرديّة التي باعت نفسها للشيطان الأمريكي،تُرى هل يظنّ هؤلاء أنّ الأمريكان سيظلّون يشكّلون عنصر حماية لهم، وإمداد بالسلاح؟
ليراجعوا موقف الأمريكان منذ أيام مصطفى البرزاني، وليستعيدوا ماجرى لابنه مسعود، وليتذكّروا أنّ أمريكا لها مصالح، ومصالحها تأتي بالدرجة الأولى، وليتذكّروا ماحلّ بشاه إيران، وبحسني مبارك، والقائمة قد تطول، إنّ ماتفعله بعض الفصائل الكرديّة المسلّحة هو إشعال لنيران لن ينطفىء لهيبها لا فوق الأرض، ولا في النفوس، وهو بشكل ما حرْق للمستقبل، فهلاّ نظروا إلى مستقبل الأجيال الكرديّة في تلك المناطق، وهم يعلمون أنّهم مكوِّن واحد من تلك المكوّنات، أنا أعلم أنّ الأكراد السوريّين الوطنيّين عاجزون عن التصدّي لبطش العصابات الكرديّة المسلّحة، ولكنّ هذا لايعفيهم من أنّهم مطالَبون بأن يدافعوا عن انتمائهم الوطنيّ،لاسيّما وأنهم يُدركون أنْ لابديل لوجودهم فوق هذه الأرض، فعلى مَن يتشبّث بها أن يدافع عنها بالوسائل المُتاحة، وأن يبتكر الوسائل اللازمة،
العصابات الكرديّة المسلّحة تُشعل الحرائق في حقول من ليسوا مصنّفين من أنصارهم؟!!
على ذكر النيران، نستطيع القول بُوركتْ تلك النيران التي تحرق العلم الأمريكيّ والصهيونيّ في المغرب، وفي تونس، وفي السودان، وفي اليمن، والبحرين، والتي يوقدها حسّ شعبي وطنيّ قوميّ، يعبّر عن إرادة الجماهير التي لاتبيع ضميرها، وليست معنيّة بالدفاع عن كراسيّ الذين أجْلَسهم الصهاينة والأمريكان عليها، كدُمى تُؤمَر فتُطيع…
عبد الكريم النّاعم