سبقٌ لعمر عقلي يتجاوز العمر الزمني أن يحقق المرء فرادة التعبير عند معالجة أمر , أو تفهم موقف وفق حيثيات وعي معرفي يرتكز على جملة تجارب تجمع ما بين الخاص والعام ومعارف نظرية لدلالة استجابات الناس لأمر وفق معطيات الظروف والفروق الفردية في مدى تمثل المرء منهم لقراءة لفعل أو سلوك أو ممارسة حياتية عبر مدارات حراك الإنسان في دائرة الذات عمقاً انفعالياً وجدانياً وقناعاته مؤشرات عقلية ترتكز على معطى من مكين تبصر لحقيقة ما يرى أو يتأمل … وعلى قدر سعة البصيرة تكون مقاربات الإدراك الذي يشكل مجموع العمليات العقلية التي تفيض بتوكيد دور صاحبها في التفاعل مع أمر والتماهي معه , أو تجاوزه أو التمهل في استصدار حكم قيمي أو نقدي , وعلى رحابة مثاقفة الذات عمقاً معرفياً يمتح من مصادر ومراجع وتقدير ظروف وتفهم طباع و إطلالة على تداخل ظروف بصروف أيام وتحديات طبيعة غير مروضة يكون الرأي أو الحكم أو الموقف سعادة العمق الإنساني في لقاء الإنسان بالإنسان قيمة كبرى عبر سمو راق من نباهة الإدراك إذ يغدو الموقف مساندة نفسية ومساندة اجتماعية عبر محكات من آليات إقناع , مداها ما بين فعل في مكان , وتحليل معطيات في قراءة فينظر إلى اتخاذ موقف من حلم بصيرة , لا استعجال مزاج وتحميل الذات عبء وهن في غيرة أو حسد أو سوء تقدير , أو كسب عابر , ثمنه ربحٌ لوهن في نفس ضعيفة بدل أن يكون ربحه تشييد بناء لصرح جمالية تعاضد إنسان بإنسان عدا الأغلاط التي تقارب دوائر النار في خطواتها الحمر بما يخص الحياة الحضارية أكان ذلك في منظومة قيمية أو قوانين ومواقف هي ثوابت في تجذر أساسيات وبما لا شك فيه أن التفرد في قراءة النباهة حاضرة عبر كياسة سلوك واع مدروس لا يأخذه انبهار في لقب ولا يقيده بريق في مطرح , ولا يقعده عن نباهة تألق إنساني في تواضع جم فما يختزن من اكتناز علوم وسعة حلم , ورحابة صدر في تكيُف عاقل يتجاوز لحظات نشوة ظفر عابرة , إذ ينظر إلى الأشياء من عقود قادمة إلى حيث هو لحظة موقف فيقرأ الموقف ببصيرة المستشرف يقارب حدس فيلسوف , أو سبر عالم نفس في تبصر ما يستشعره قبل غيره عبر حاسة إذ خبر الصحيفة من تلاها من غير أن يتعثر بما يراه ببصره لحظة أمر لا يعدو مساحة زمانه فيوقع نفسه في هلاك الانفعال , ولربما يستعين بالمصلحة العامة سقفاً ليمرر انفعاله وحرصه المزعوم وبعض حدّه في حفظ مؤشرات عمل أو رقي مدنية , ومنطق أداء , وقد يكون سمو القانون أرقى – غالباً- من اعتماده مظلة لتمرير استقواء بمظهر انفعالي على حساب إنسان تعثر بقليل و اجتهد عليه متعب بوهن مزاج بكثير , لكأنه أمام : وتعظم في عين الصغير صغارها . أما المتسم بوقار الوعي المعرفي والعمق في الطبع الإنساني والمصقول بتربية صلبة من ثقة بالنفس ومحبة الإنسان والسعي لبناء حيثيات كل أمر تشييداً بهدف العمران في مباهج الفعل الحضاري , والنافح عبقاً بمكارم ثقافة الضبط السلوكي لا الضبط العقابي فإنه لا ينسى أن كرم النعمة لديه ينفي إلى خدمة الوعي طرح البديل سلوكاً والأجمل فكرة , والأكثر سداداً لرأي أو منطق قول , وتراه يترفع عن صغائر الأمور لأنه اعتاد جدل الأفكار في صميم عمقها مثاقفة لا جدال الناس لكأن مساره : وتصغر في عين العظيم العظائم إنه الإنسان الوقور في تطريز روعة القول عزفاً منفرداً على قيثارة من وجد , حنين قصبها يعيد إليك مصاطب الضفاف على مطلول عرزال من حور وصفصاف والماء سرح كتائب من أمواه في هزيج متعرجات مجرى وهو يقول : لا بأس « من جهلنا نخطىء , ومن أخطائنا نتعلم « وبدل البراعة في الملاحظة وشده اكتشافها لكأنه يسابق « كولومبس « تراه يرتقي بنفسه وبك أخاً نصوحاً ناصحاً ومعلماً و أباً وبريق جوهرة , وميض لمعانها شذرات النور في دياجير ضباب كثيف فيبين لك مسالك الدروب بشغف الإنسان للإنسان فتحب فيه الإنسان هذا الكائن النوعي وتحب فيه منظومة القيم , وبهاء السلوك , وقوة الشخصية العاقلة العارفة العالمة وتحب من خلاله قدسية المنطق وسداد القانون , وقد آلمك نداء الضمير إن كان تقصيرا أو وهنا في مكان . ولكم يتعبك أن ترى متأبطا مستعجلا كنانة صيد في عمل إلى حين ما بين أيام أو شهور أو أعوام أفسح فيه لشوك المزاج والاستعلاء مزيداً من إبر , من غير أن يسعفه إدراكه أن الانحناء للورد شماً ولجمال الخلق تفتحاً ورقة الشغف رهافة في سكنى مخمل ورد يمكنك التعبير بهمس رقيق كما الموسيقا فتصمت الشفاه عن بناتها ويطوُّح بنا الخيال مواقد من لهفات في دنيا الجمال و الأشواق وقد تقول أهداب العيون بعبراتها بما تعجز عنه الكلمات! ما أجملنا قوة في عطاء ورحمة شميم عبق ذلك هذا الراقي , والذي هو نحن !.
نزار بدّور