جُلّاس المقاهي
في عقود زمنية خَلَت، لم تكن المقاهي منتشرة، بهذه الصورة الفِطريّة المُرْعِبة.. كان بِكلّ حيّ مقهى وحيد، أمّا اليوم، فحدّث عن عدد المقاهي، وتكاثرها، وانتشارها، وفِطرِياتها، ولا حرج… وما دام الوقت ليس له كبير قيمة عند أعمِّنا الأغلب، فَلِمَ الاعتراض إذاً على كثرة المقاهي وتوالدها، بهذا الحيّ، وسواه؟ بهذه المحافظة أو تلك؟ ثمّ لِمَ هذه الفلسفة الخَرْقاء، التي لا تقدّم ولا تؤخّر؟ الأفضل والأسْلم والأهمّ، أنْ يبقى فَمُ الكاتب مُطبَقاً، يستخدمه فقط، لتناول اللقمة الحَلال ومضْغِها، ومن ثمّ هضْمها على تَؤُدةٍ و»هناءَة»!
على الأخضر واليابس
هذه المرّة، الهَمْسَة العتابيّة موجّهة لعقول التجّار وقلوبهم وأرْواحِهم بآن، أنِ ارحموا مَنْ في الأرض، يرحمْكم مَنْ بأعالي السموات، بأنْ تضعوا أيديكم على قلوبكم وضمائركم، حين تريدون بيع أيّة سلعة للمواطنين الغَلابَة، الذين دفع كثيرٌ منهم الفاتورة غالياً، من دماء الأبناء، طيّ هذه الحرب الضّرُوس، التي هبّت علينا عواصفها، من كلّ حدب وصوب، بدعم ومساندة من بعض «الأشقّاء – الأشقياء»! أم أنّ عُصبة من التجّار، تريد بِجشعِها، أن تقضمَ الأخضر واليابس، فتجعل جيوب المواطنين، «أصحاب الدّخل المحدود – المهدود»، بِحالة يباس وجفاف وانفراغ دائمة؟
الأرْصفة
أعرف سلفاً وبادىء ذي بدء، أنّ عُصبة من القرّاء المُتَعالِمِين، سيعترضون على هذا المقطع، سيقولون بصوت جهوريّ واحد: «ألا توجد مواضيع أهمّ من الحديث عنْ موضوعة الأرْصفة وإشغالاتها؟ خاصّة وأننا لا نزال في أتّون الحرب ولهبها، ما دام هناك على أرضنا الغالية إرهابيٌّ واحدٌ مُتشنِّع»؟ جئت بهذه الموضوعة لأقول: لقد أضحت الأرْصفة «للإشغالات» ليس إلّا، خاصّة بالأحياء المكتظّة، بحيث لم يعد للمواطن أيّ حقّ، بالسّير على الرّصيف، أو المرور فوقه، بل تحوّل إلى حقّ شبه شرعي، لاستخدامه من قبل هذا البائع أو ذاك! أضف إلى أنّ كلّ صاحب محلّ، يختار نوع البلاط الذي يريده، ليبلّط به أمام المحل، ناهيك عن أنّ الأماكن المُبلطة، تجعلك تعلو وتنخفض أثناء العبور فوقها، كأنّ التجّار والباعَة الأشاوِس تقصّدوا فعلَ ذلك، ليبقى المشاة بِحالة اهتزازٍ وتأرجُح تامَّين، لأجل تخفيف الوزن الزّائد…
طفولة
طفل، لم يتجاوز العاشرة، التقيته مصادفة، يعمل مع عمّه «خالد» بورشة تبليط، يجهزّ خلطة «الطينة»، يُسِيّل عليها الماء، من فوّهة خرطوم، ثم ما يلبث أنْ يقوم، بتقليب المواد، وخلطها جيداً، بواسطة «الرّفش»، كما يسمّونه، وحينما تتماسك «الطّينة» تماماً، يقوم بتعبئتها على دفعات بواسطة سطل، يقدّمه لمعلمّه، كلّما طلبَ منه ذلك.. حين سأله أحدهم: بأيّ صفٍّ أنت؟ جاءت إجابته مشفوعة بتنهيدةٍ مُتأسِّية: الحرب الملعونة، أبعدتني عنْ مقاعد الدراسة.. مات والدي، ماتت أمي، سافر أخي «عبدو ، هناك يعمل بمهنة «كهربائي سيارات»، اليوم أعيش مع عمّي «خالد»، أعمل معه بمهنة التبليط، كما ترى.. لم يُكمل الصّغير كلامه الطفوليّ، حتى تلامعَتْ في بؤبؤي عينيه دمعتان ساخِنتان..
الهواء يكنس النّفايات..
منذ حوالي أسبوع أو أسبوعين، كانت هناك حملة جادّة لتنظيف المنطقة الغربية، القريبة منْ مصفاة النفط بالمحافظة.. الخبر كان سارّاً، يثلج الصدور، يبرّد كثيراً من الألسنة المُنتقِدة.. السؤال مُفادُه: لماذا نتّهم البلدية، ونحمّل عمّال التنظيفات، مسؤولية التّقاعس والإهمال والتلكّؤ بأداء واجبهم، وننسى دَوْرَنا كمواطنين، هوايتُنا الغالية، وعادتنا السّارية: رَمْيُ قاذوراتنا والبقايا في الشوارع، كأنّ شوارعنا الداخليّة، وطرقاتنا العامّة، قد تحوّلت بالفعل لا بالتّجنِّي، إلى حاويات كبيرة: هذا يرمي زجاجة ماء فارغة، الثاني يلقي بالشارع عقب سيجارته هكذا جُزَافاً، شخص ثالث يلقي قشر الموز من نافذة السيارة، رابع.. خامس.. عاشر.. القائمة تطول، والاستهتار يطول ويتطاول، ويتطاوَس، ولا يستحِي، ولا يرْعَوِي، ولا يخجل… هل تكون لنا ثقافة أنّ «الشارع ليس مَكبّاً للنفايات والقاذورات»؟ ثمّ لماذا لا يُفعَّل قانون محاسبة كلّ رامٍ للأوْساخ، خارج الأوقات المحددة لذلك، كما كان مُطبّقاً في السّابق؟!
وجيه حسن