أي نفح ذاك الانسياب الآتي من صوب جدول ينداح في بطاح أرض , وقد راح ينعطف ما بين الحنايا والضلوع على تضاريس تعلو فيها تلة فيمر إلى جوارها ذاك الجدول آمناً ومنسكباً نحو انحدار إلى حيث بطن واد وقد لقيه آخر من أعالي سفح يسابق ضفافه وسوق الشجر تاركاً الأزهار والورود على الضفاف , وهو يزف إليك نغماً لشدو خرير تلاقيه زمزمات عصافير وصداح أطيار في أعالي زرقة السماء .
والضوء الصامت يرقب هدوة اتساع المكان وعبر الأفق البعيد يشدك ألف خيال وخيال , وقد أيقظ الوجد في خاطرك سحر طيف وطيف وفي أعماق الصمت ما بين الشرود حيناً والانتباه إلى يقظة الأصوات حيناً آخر تتراءى أمام عينيك ألوان لباسقات شجر , لكأنها توشي هذا البوح المهذب لتناغم البصر رؤية والبصيرة رؤيا ومواطن الإيقاع في النفس تقص فرادة هذا التألق الممراح على همسات النسمات المحملة أطباقاً لفيض عبير وفل وياسمين وصوت كدح ما بين مكان تراه العين في مقاربة مكان قريب و آخر يروح بك اللحن إلى حيث الخاطر والجمال والمكان البعيد .
أي همس شفيف ليراع تلامسه أنامل البراءة في خطوط تحاول أن تطل بحضورها بعض مقاطع أو كلمات لتغدو ببراءة الطفولة زخرفات لسرح ذاك المطرز من فرح الألوان , فتقرأ في وعي الطفولة لحن السعادة و أنت تنظر إلى امتداد الزمان , فيناديك تآخي اللحن مناغاة لصغير أنفاسه شهقات الحياة في مآقي عيون الرجاء يداعبه هزيز السرير وتحوم فوقه أحلام فراشات ما بين زخرفات في تلاوين أجنحتها وتعاقب السنين دعاء رخاء الحياة فيض سعادة في رحاب كل دعاء .
أي همس هو ذاك الإيقاع الطالع من عمارة مداميك الحياة تشييداً لصروح في معمارية الوجدان تغدو أنساقاً من سجايا ومثل , وفي رزانة العقل تكبر رحباً في كل تميّز ونباهة ألمعية , فيسمو الإبداع ساعداً يحكم معنى البناء , ومقدحاً ذهنياً يطل من أعالي القلاع شهامة وعي متحضر ينسكب شلالات على مطلول إيقاع انهمارها تصحو الحياة , فتأنس النفس إلى سكينة من طمأنينة بال , وتروح الروح في تهجدها إلى نقاء كل صفاء في جدوة كل طهر ونبوغ كل مقال .
أي همس يوقد النفس مواقد , لكأنها المجامر في اكتناز الخلايا وذوائب أنفاس الأنفاس وهي تشتعل إضراماً في تمثل هذا الشفيف الهامس من عبقريات فنانين مبدعين متأصلين في معنى المهارة ثقافة علم , وبراعة أداء ونشوة استبطان داخلي لمعنى دقيق الهمس في الهمس فتولد النغمات معانيَ , وتتضافر فيما بينها والكلمات لتكون دنيا من دهش يتجاوز ما تقوله الحروف وتبدعه المفردات , فعندئذ يسكت الفم , ولا تنبس الشفاه ببناتها كلمات لكن تنطق العيون على قدر وجد متلقيها بفيض العبرات على راعشات أجفان وقد راحت تنطق بما يفوق الكلمات عبر مثخنات الجراح على خد أسيل أو سانحات فرح على ومضة ابتسامة أيقظها الصباح وتلقفها الشفق الوردي في إيماءات نداءات الغروب .
أي همس لمقطوعات موسيقية لأولئك العباقرة في واحات الزمن الجميل وقد مهرت مسامع الجوزاء والذواقة الأصلاء بمكارم الفن الأصيل ما بين تأليف موسيقي ومهارة إبداع في أداء وجمال تمثل للمعاني وحكايات المد والجزر ما بين الأفراح والأتراح والخاص والعام و أولئك المؤدين من مطربين وفنانين وذائقة من ذواقة هم أساتذة في تلقي المعنى وشده الموسيقا ونباهة الإدراك لفتيق عنبر الصوت في تجليات الروح والعقل والنفس وسكنى دفاتر تعاقب الأزمنة في سردية حرف وتأوه كلمة وصداح عبارة وتناغم مقطعة تلوح للحياة بخصوصية مبدعها ومتلقيها بألف وردة ووردة .
أي همس شفيق يحتضن مواجد الروح وخفايا الوجد وتفاصيل العبقرية في مقاربة وعي الثقافة في شرف كل إبداع وعظمة كل ابتكار , جذوره اتساع الأرض وهي تترسخ و أغصانه فضاء الذوق الرفيع وهو يتعاقب أجيالاً فتأنس النفس إلى رقي همس في مطالعة كل تعامل في لقاء الإنسان بالإنسان دفء إيقاع فيه من السمو والمحبة ما يتجاوز حسيساً في فظاظة موقف أو ظاهرة صوتية في استعجال أمر أو تبرم في تجهم .
فحفاوة الهمس نبوغ رقي في كياسة وعي الحضور على دروب تُمد فيها خطوات فتسير وتبقى الدروب مثل جريان الماء والضفاف تلوح . فيا لروعة الهمس في كل تعجب تقوله الكلمات والأحلى والأغلى ما يقوله إيقاع الجمال في فرادة كل قيمة وقامة . أجل أي همس ؟!
نزار بدور