المثال :شيء يقاس عليه ويتخذ نموذجاً ،والطيب :ما تتلذذه الحواس أو النفس والجيد والحسن والكثير الخير الآمن ،والمتحلي بالفضائل المتخلي عن الرذائل .
وأمس –وأنا أتجول في مدينة دير عطية في رحلة جماعية –تذكرت والدي –طيب الله ثراه –كان يقول لي : في وطننا سورية ثلاث قرى غسل أبناؤها نفوسهم من أدران الأمية منذ الخمسينيات وهذه القرى هي :مرمريتا ،بصير ،دير عطية .وكنت يومها أقول بيني وبين نفسي :لماذا لا نتخذ هذه القرى مثالاً طيباً وننتفض في كل مكان على أميتنا !؟
أما اليوم .وقد كان شعبنا السوري سباقاً بين الأقطار العربية في القضاء على الأمية ،فإنني أعود إلى المثال الطيب ،فما رأيته في مدينة –دير عطية –يستحق أن يتخذ نموذجاً في قطرنا العربي السوري ،في مدنه وقراه ،وأبدأ من متحف دير عطية الذي بناه أبناؤها خلال ثلاثة عشر شهراً بعد صدور مرسوم جمهوري بتأسيسه عام واحد وتسعين .
والآن يعد من أهم المتاحف السورية ،يتربع على مساحة خمسة عشر ألف متر مربع ويضم عشرة مبان فضلاً عن مبنى القلعة ومبنى الفن الحديث ،والمثير أن هذا المتحف الضخم بني كله من حجارة المنطقة وسقف بأخشابها وفق هندسة تراثية رائعة.
ومن المتحف أنتقل إلى –قرية ذوي الاحتياجات الخاصة –التي يظنها الناظر من الخارج فندقاً من ذوي النجوم ،وفي الداخل تنحني أمام جهود إنسانية جبارة لمعالجة ذوي الاحتياجات الخاصة معالجة فيزيائية وحركية ونفسية وعقلية وتقديم كل شيء لهم من الإقامة المحترمة إلى المكتبة الراقية وممارسة الرياضة والمشاركة في البطولات الرياضية ،وما أكثر الذين نالوا جوائز عالمية !!
ومن قرية ذوي الاحتياجات الخاصة إلى دار المسنين التي تكمل في نفسك نشوة السعادة فتفيض دموع فرح أمام احترام إنسانية الإنسان إلى درجة التعظيم بعيداً عن عمره الزمني ووضعه الصحي .
وأسارع إلى بناء يتجسد فيه التراث بكل أبعاده الجمالية حتى حسبته قصر –أسعد باشا العظم –الدمشقي وقد انتقل إلى دير عطية، إنه دار المسرة –العزاء –لكل عائلات البلدة ،فلا يوجد منزول آل فلان ولا آل فلان ،ولا خيام تنصب ولا طرقات تقطع ،وإنما بناء حضاري تراثي ذو سقف متحرك يستطيع أن يستوعب عشر مسرات –عزاءات –في وقت واحد ويقدم كل ما تتطلبه .وأما البنى التحتية فإنني أنصح أعضاء المجالس البلدية في قطرنا أن يقوموا برحلات إلى دير عطية لمعاينة الطرق والساحات والأرصفة والحدائق ،والإنارة بالطاقة الشمسية ..فكلها مثال طيب يليق به أن يتخذ نموذجاً ،وفي مكتبة الجامعة جلست ساعة وتمنيت ألا أخرج منها وأدركت أن الحضارة لا تتجزأ ،وأن الكتاب هو المنطلق ،ووجدت جواباً لسؤال طرحه الكثيرون .لماذا لم يستطع الإرهابيون الذين دخلوا إلى دير عطية البقاء ولو لبضعة أيام ؟!أعتقد أنّ الجواب أصبح واضحاً .إن الحضارة لفظتهم .
د.غسان لافي طعمة