تمدُّ الحياة لنا يدها ولّادةَ رحمٍ في أسِّ الخلق وتمدٌّ يدها ولَّادات في تتالي الأعمار، وتتالي صيرورة الحراك في دنيا الوجود عبر أحداثٍ متعاقبة وخبراتٍ متلاحقة وتجاربٍ متتابعة وما بين هذا وذاك تعلمنا الحياة على قدر استجاباتنا ومدى حفاوة التّلقي وفق مرجعيّة اهتمامات واتّجاهات وميول، وما تسمح به مسوّغات المعطيات على استواء صاعد أو منحنيات وعلى دلالة الفروق الفردية في مجريات القدرات الواسعة إمكانات أو ضيق فرق عتبة في حساسية أو مقاربة موقف.
تمدً لنا الحياة يدها سنواتٍ خمسٍ في التأسيس وفق دراسات العلوم التربوية في محددات العلامات الفارقة في توصيف مطابقة الشخصية ومدى تمثلها لحضور أفضل، وتنفيذ أدق بما يحاكي عمرانية الأعراف والتقاليد ومنظومة القيم وأنماط السلوك وجمالية الدّفق العاطفي في توكيد وجدان صقيل عبر محو الأمية العاطفية حيث تعزيز المحبة وقيمة الحياة والتأمّل والعمل وجمال المبادرة والاعتمادعلى الذات والشروع في الاكتشاف والتحلّي من الواقع المعيشي والعالم عبر تربية أسرية – تقوى حسب مساحة المدى الموفي والغني بتجارب تلك الأسرة التي بدورها الخلية الأولى في تشكيل دعائم المجتمع المتجذِّر بالانتماء للحياة إنساناً ووطناًوعقلاً حضارياً تفتحُ نوافذ الوعي في مشارب التفكير لديها لتصنعَ آفاق رحبة في اتساعِ كونٍ، زمانه تعاقب عصور في دهور حيث الخبرة الإنسانية في نطق القوافي ونصاعة العلوم ومنارة التراث فتظهر في أمثالٍ شعبية وحكايات وقصص وسجايا ومُثُل روحية وصروف أزمان.
أجل تمد الحياة لنا يدها، مثلما الأنهار تتدفَّق إلى السهول تاركةً لشفاه الصفصاف حمرة الورد، ولأغصان الشجر المتدلية سلافات الأمواه ولرائعات الأزهار عوالم تفتُّح عابق بأنفاس الندى في أكمام وريقات يهزها نسيم عذب، ويتشربها مطلع كل صباح.
وعلى المدى مصاطب الحقول وبشائر خير في عناقِ حقلٍ وتمني الفرح بكلِّ تعب يعقبه الفوز فيظهر الاجتهاد الذي ينتجُ عنهُ التميز.
تمد لنا الحياة يدها مسار حياة من مدرسة وجامعة ومدارسَ صحافةٍ وتلفازٍ وفنٍّ سابع ولغة العولمة في فضاءٍ إلكترونيّ وثراء تقانة وتماوج قيم تعدلُ تحديات من خلال تشابك المصالح وانتباهٍ إلى الاعتزاز بالنجاح في مواقف رائعة من خلال امتحان الثقة والتجذر الصلب في فعل الإرادة الطافحة في وعي الحياة الحرة الكريمة.
وانتباه آخر إلى رسوب نتوءات في مستنقعات الجهل والتخلف والاستقواء وخلع كل ما يستر شيئاً آخر فتبقى من الأنفة كفرح بعضهم إلى حيث نهايات الويل والثبور في حسرة كل ضمير حي عن سعة أمة العرب وإنسانية البشر.
تمد لنا الحياة قوةَ الوجود واليمان بالخلق وعلينا أن نعتزَّ بها فهي قوة بالفعل تنتقلُ من تكاملية لها ضدٌّ إلى مشروعية بناء اجتماعيّ له حضارته التي تبدو في مكارمه.
فهذا التواصل الإنساني كعناق حميميّ في وجدان البشر لتبدو كإشراقة عقلٍ تاجهُ ذهنيةٌ منفتحة.
تمد لنا الحياة يدها ونمد أيدينا كحدائقِ تواصلٍ من وشائجٍ ذوائبها تفرش على قطوفها خدر الأمومة وعلى براءة الطفولة سعادة الطهر وروعة البهاء، ونمد أيدينا مثاقفةً جهد مرئي في مرايا مصادر ومراجع يستخدمها المتميزون من معلمينَ ومتعلّمين في كلِّ مجال ومهنة فتقوى مداميك العمران نحو حدود منطق متأصِّل يعقل بما فيه وتتلاحمُ الإنسانية كبناءٍ خلاق له ذائقته الهامسة الغالية مثل نغمة على وتر تهتزُّ لها القلوب وتنشدُ لها الحياة وقعَ حضورها.
فما يقوله الأوسع حضوراً على مدارج العمر هي مثابرة عصامية يعيا عنها العابرون على دربِ المعرفة المضمّخ بدماء شهداء العلم وقد هزجت لهم بعض حظوظ الحياة على باسقات الشجر.
أجل تمد لنا الحياة يدها فنصافحها إبداعاً وابتكاراً، فما تقوله الواحات تعقل به الصحارى.
نزار بدّور