أي دفء يبعثه الصديق في نفسك ؟! وأية طمأنينة تسري في كيانك عندما تلتقيه ؟! أنت لا تذكر كيف نسجت الصداقة خيوطها الحريرية أول مرة ،هل كان اللقاء الأول مصادفة ، محض مصادفة ،أو هناك قوة خفية رتبت اللقاء ؟! ليس ذلك مهماً ،المهم أنه أصبح جزءاً من حياتك ،وأصبحت جزءاً من حياته .
لقاءات تتجدد فتتجدد الحياة ،ويظل السؤال الشرس يسكنك :هل للحياة طعم بلا صداقات ،صداقات حقيقية ،بريئة كضحكة طفل نقية كقطرات ندى الصباح على وردة بيضاء .الله ما أحلى لقاء الصديق !
وما أطيب وقعه في الروح !!
يهاتفك :غداً على الساعة التاسعة تلتقي ،تغدو الساعات المقبلة ساعات ترقب للحضور البهي ،وساعات انتظار للجمال الذي يداعب أعماقك كمداعبة الضياء فراشات الصباح الملونة .
وفي الموعد المحدد يرحب المكان فيتعطر هواؤه ويصبح الكلام مخملاً من حب ووداد ،ويحضر الإنسان بطقوسه الجميلة ،ويجلس معك الوطن بمكانته السامية ،فتغيب الأشواك ولا يبقى إلا الفل والقرنفل والياسمين ،مما يجعلك –وأنت في قلب اللقاء –تتطلع بشوق لا حدود له إلى اللقاء الآتي .
ماالذي يجعل عينين خارجتين من خضرة اللوز تسرقانك من زحام الحياة فإذا أيامك غير الأيام وإذا كلامك غير الكلام ؟!
عينان كملايين العيون تخرجانك من رتابة الحياة ،تحملانك على أجنحة الدهشة والتخمين والآتي الذي ينتظر .
أية لحظة كشف تلك التي تغرقانك فيها فتحس أن المياه تتفجر من قلب الحجر الأصم وأن القمر قد غدا ملايين الأقمار ؟!
عينان كملايين العيون تخلقان الفوضى في كيانك فتختلط الكريات وتتشابك الأعصاب ويغدو الشرق غرباً والشمال جنوباً فيسافر الضوء إليك ،وتتحول الألوان جميعها إلى خضرة وبياض ،وتفيض أنهارك بالحب والشعر والموسيقا .
فأي سحر في عينين تختزنان خضرة اللوز الدمشقي ؟! سؤال يبقى يلهث خلف جوابه ،وجوابه في المطلق البعيد .
ثمة أصدقاء رحلوا ،تساقطوا كأوراق أيلول الصفراء فحملتهم الرياح إلى حيث لا أدري ولكن الزمان يعجز عن تمزيق صفحاتهم في كتاب الروح ،وهم يشكلون نصف هذا الكتاب على الأقل .
في الصفحة الأولى أصدقاء طفولة لعبت معهم على بيادر الضيعة ،وسبحت في سواقيها واصطدت أسماكها وعصافيرها .وفي الصفحة الثانية أصدقاء شباب ودراسة ورياضة ومراهقة ،وفي الصفحة الثالثة والرابعة والخامسة أصدقاء جامعة وأصدقاء خدمة العلم أصدقاء الأدب أصدقاء الحرف أًصدقاء الحياة بأرحب معانيها ،هنا قصيدة تحلق بك بعيداً ، وهناك قصة قصيرة تصدمك صدمة فنية محببة وهنا لك مسرحية ما زالت تجلسك في القاعة تتابع صدمة فنية محببة ،وهنالك مسرحية ما زالت تجلسك في القاعة تتابع أحداثها وشخصياتها وكأن الزمان توقف منذ أربعين عاماً ….ألست معي أنّ الصداقة تعطي الحياة الكثير الكثير من معانيها ؟!!
د.غسان لافي طعمة