وأنا أترك الطريق العام , وأنعطف نحو اليمين لأصعد الجسر الذي يوصلني إليها .. كنت أفكر كم من المرات مررت من هنا وفي كل مرة , كنت أقول في المرة القادمة سألقي السلام عليها .. اليوم وجدت نفسي مدعواً لزيارتها والمشاركة في مهرجانها للقصة السورية القصيرة والفرق بدا لي كبيراً بين أن أذهب لزيارتها وأمضي ما أشاء من الوقت فيها , وبين أن ألبي دعوة لزيارتها. في الحالة الأولى أنت تترجم أشواقك فعلاً ارادياً جميلاً فيه لهفة المشتاق وفرحة المبادرة .
وفي الحالة الثانية أنت مقيد بالوقت وملتزم بتفاصيل كثيرة لكن في كلا الحالين أنت تزورها وثمة فرح لا يوصف بلقائها ..!!
بانياس ليست مدينة على المتوسط فحسب بل هي المدينة الصغيرة المدللة بين شقيقاتها : اللاذقية وطرطوس وجبلة ، في بانياس وأنت تدخل حديقة المركز الثقافي تكتشف أن للعصافير أغاريدها المميزة وأن لاصطخاب الموج حنينا أزليا .. ولحكايات البطولة والشهادة كل الأوقات والحروف .
وكلمة « بانياس » كما تقول المصادر , كنعانية الأصل . كانت تتبع لمملكة أرواد وازدهرت كثيراً في العصرين اليوناني والروماني حررها السلطان قلاوون من المستعمر الصليبي .. فيها آثار هامة مثل قلعة القوز وبرج الصبي وأعمدة الغرانيت والطواحين المائية ولقى أثرية من مختلف العصور .
ما يثير انتباهك وأنت تزورها لأول مرة جمال الأبنية وتدرجها باتجاه الشاطئ واللافت نظافة الشوارع والساحات فتخالها تلمع ..!! شاطئها نظيف جداً .. بيوت تعانق البحر بكبرياء .. وناسها طيبون وأذكياء .. والسوريون , بشكل عام , أذكياء كما يقول العالم والباحث التاريخي والأثري « لوماتينيه »
في مركزها الثقافي .. ازدحام جميل .. يرحبون بالقادمين ويقدمون القهوة العربية لكل الحضور دون استثناء ..!!
مدير المركز الثقافي ومعاونوه ، كانت مهمتهم أن يرشقوك بكلمات الترحيب الحارة وكأنهم يرشقونك بالورد والعطر ..!!
ثمة أدباء من كل أنحاء سورية .. محمد عزوز , هيلدا مخلوف , علي سعادة , محمد أبو حمود , فائز داؤد , لميس بلال , غفران سليمان , زينب ديوب , سجيع قرقماز , عتاب كوسا … الخ وحضور الشاعر الكبير صقر عليشي يضفي وقعاً خاصاً وجميلاً .
أكثر الأدباء أبدوا رغبة كبيرة في أن تتاح لهم الفرصة بإلقاء نتاجهم الأدبي في حمص ..!! وعندما سألتهم سؤال العارف « لماذا حمص ؟!!» كان الجواب واحداً ( لأن حمص لها حضورها المميز في المشهد الثقافي السوري .. من ايام ديك الجن الحمصي .. وحتى أيامنا هذه ..!! ) .
وجوه تشعر أنك تعرفها من زمن بعيد ..!! فالثقافة توحد وتجمع وعي مرآة الحب والإبداع ..!!
« أتراني وقعت في حبها ..؟!! « قلت بصوت مسموع وأنا أغادرها ..!!
« حب من يا أستاذ ؟!! « انتفضت وهي تسأل « حبها هي .. بانياس , المدينة والناس والشاطئ ..!! «
هو , لاشك فصل من فصول عشق المدن .
ثمة مدن تراها مرة واحدة فتدخل قلبك وثمة مدن تزورها مرات لكنها تبقى على أبواب القلب . المدن مثل النساء .. فالمرأة أنثى والمدينة أنثى..!!
بانياس .. مدينة تدخل القلب والذاكرة .. وتجعلك تفكر بزيارتها مرة ثانية وربما ثالثة ورابعة ..!!
عيسى إسماعيل