تحية الصباح .. من الذّاكرة «25»

في مقرّ المكتب الفرعي لاتحاد الكتاب العرب القديم، المواجه لمبنى البريد، وهو مكان يعرفه الذين كانوا يحضرون نشاطات الاتحاد هناك، وكما هي العادة في حمص، كانوا من صفوة مثقّفيها، ولْنقلْ أيضا إنّ كفّة الحضور كانت تميل لصالح الوطنيين التقدّميين، من مختلف ألوان الطيف التقدّمي.
في ذلك الزمن، زمن ثمانينات القرن الماضي، كان بيننا وبين اتحاد الأدباء السوفييت علاقات طيّبة، وثمّة تبادل للزيارات،ذات يوم جاءنا وفد سوفياتي يضمّ ثلاثة أدباء، واحد من أوزبكستان، وآخر من ليتوانيا، وكان واضحا على الأوزبكستاني إحساسه بأنّ ثمّة مايجمعه مع أهل هذه البلاد، هو لم يقل ذلك، بل كان التماع عينيه يوحيان به، وكان المُتّبَع أن يجلس الضيوف على منصّة (غرفة) المحاضرات،-يقرؤون شيئا بلغة بلادهم أحيانا، وثمّة مترجم معهم، والغالب أن يجلسوا وتُوجَّه لهم أسئلة من الحضور، كلّ يسأل مايعنّ على باله، أو مايعدّه مساهمة، وربّما كان بعض الموجودين يحبّون المشاركة في كلّ شيء تعبيرا عن حضورهم، ولم تخلُ بعض الجلسات من «قفشات» لطيفة، وبعد الانتهاء كان معظم المدعوّين يغادرون، وننتقل إلى غرفة رئيس الفرع المجاورة، وهي على صغرها كانت تتّسع ولو مع شيء من الازدحام، وكان يومها المرحوم القاص والمسرحي الكبير مراد السباعي، تُوزّع كؤوس الشاي، وكالعادة يستمرّ الحوار.
في تلك الجلسة ، كان بيننا شخص محسوب على اليسار، والتقدّم، والعروبة، وهو مايكاد يفوّت نشاطا من النشاطات، وقد أراد أن يفتح بابا للإغناء، كما أرجّح، فوجّه سؤاله للأوزبكستاني، وكان مضمونه أنّ الفتح العربي الإسلامي قد وصل إلى بلاده، وصار جميع أهل البلاد مسلمين فيما بعد، فهل ألهم الإسلام أحداً من أدباء تلك البلاد شيئا من الكتابات الأدبيّةالمُفعمة بروح الإسلام، كالمسرحيّة مثلا»؟!
سأل سؤاله وتوجّهت أنظارنا إلى وجه الضيف لنسمع ماسيقول، تلجلج ذلك الإشعاع الذي كان في عينيه قليلا، وبدت على وجهه ، رغما عنه، ملامح حيرة، وصمت قليلا، وحدّد النّظر في السائل ولم يجب ,وكان كمن سكب ماء بارداً على رأس البعض، وأحسّ صاحبنا بالصدمة، فسأله مُجاوره همسا:» ألم تجد غير هذا السؤال»؟!! فقال له :» تورّطْنا»،
الغريب فيما بعد أنّ هذا التقدّمي الطبقيّ صار في بداية أحداث الحريق العربي شبه مراسل لمحطة ال بي بي سي، وهي المعروفة بعداوتها، وفي ذاكرتنا عن بريطانيا، وعمّا خلّفتْه في المنطقة يوم انتدابها عليها، وفي مقدّمة ذلك وعد بلفور، وتسهيل الهجرة الصهيونيّة إلى فلسطين، وماذا نحكي لنحكي عن بريطانيا، وهي صاحبة فخّ» الانسحاب من (أراض) عربيّة، بعد عدوان حزيران 1967 بدلا من ( الأراضي ) العربيّة، وعلاقة الدولة العميقة في بريطانيا بالصهيونيّة يصعب القول فيها مَن يسيّر مَن؟!! .. ماتكاد تمرّ نشرة أخبار في تلك الإذاعة حتى يجري الاتصال بمَن (تورّط)، ويبدأ بشرح المعطيات كما يريد لها، لاكما هي الحقيقة، ولم يكن صادقا فيما ينقله، ولقد استغربت كما آخرين من ( تورّط) هذا الرجل في هذه (الطّاموسة)، ولربّما فاجأنا أنّه محسوب على التقدّم !!، ولكنّ الأمر لم يطل فقد خرج من معطف اليسار، بفصائله المتعدّدة، أسماء أنستْنا هذا المتورّط، نقول ( تورّط) من باب حسن النيّة ، وتتالى لاالمتورّطون، بل العامدون، ومن المواقع ذاتها، تتالياً جعل الدهشة قبل غيرها ترتع في نفوسنا، حتى أنّ منهم مَن زار الكيان الإسرائيلي، وأبدى الصداقة لها!!
ياللذاكرة كم تحمل من المرار……….

عبد الكريم الناعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار
في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة "محامو الدولة "حماة المال العام يطالبون بالمساواة شراء  الألبسة والأحذية الشتوية عبء إضافي على المواطنين... 400ألف ليرة وأكثر  سعر الجاكيت وأسواق الب...