هل يئست الإدارة الأمريكية من حربها الكونية على سورية ، أم أنها في مرحلة تسبق الاحتضار والتسليم بهزيمة مشروعها في المنطقة العربية ، فهي مازالت تحاول استخدام كافة أوراقها لاستمرار حربها في بعض المناطق الساخنة في إدلب وفي شمال شرق سورية وذلك لتأخير إعلان النصر السوري على قوى الإرهاب والعصابات الإرهابية المرتزقة التي جاءت بهم من أصقاع العالم ..
المؤشرات على الساحة تشي بهروب الإدارة الأمريكية من المواجهة والإقرار بالهزيمة وتوريط بعض الدول لاستفزاز دولة المقاومة في محاولة للابتعاد عن الصدام المباشر والتمكن من الإمساك بخيوط اللعبة عن بعد وهو ما استطاعت النجاح به في بعض الأماكن ، وفشلت في أماكن أخرى وخاصة في معركتها مع محور المقاومة حيث لم تستطع أن تتقدم قيد أنملة ، بل حصدت الفشل والهزيمة في معظم المراحل .. وإذا تذكرنا بعض التفاصيل في الحرب الكونية على سورية نجد أن سورية خلال حرب الثماني سنوات استطاعت أن تقلب الطاولة على كل الأطراف المعادية بدءاً من العصابات الإرهابية المرتزقة المدعومة من دول الخليج وقطر ومن ورائهما بعض الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تدير اللعبة من وراء الستار، وبعد تلك الهزائم لم تستطع البقاء في الظل بل أطلت برأسها وصارت تدير الأعمال الإرهابية علانية ولا تخفي دعمها للعصابات الإرهابية في الشمال السوري وفي بعض المناطق .. وكذلك دعمها لقوات قسد التي كانت تدعم مالياً ولوجستياً وتسليحاً وذلك لتنفيذ الأجندة الأمريكية في فصل العراق عن سورية لأن الاتصال يشكل قوة للبلدين إضافة إلى أن الاتصال يعطي حيوية ودعماً لمحور المقاومة وهذا يشكل تهديداً للكيان الإسرائيلي فيما لو لم يتم قطع الحدود على المدى المنظور لأن الإدارة الأمريكية تعتبر أمن الكيان الإسرائيلي من الخطوط الحمراء ولذلك فهي تعمل ما بوسعها لتأخير إعلان سورية انتصارها وإطالة أمد الحرب ودعم قوات قسد، وعلى الرغم من كل ذلك فإن هذا الدعم كما صرح روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سورية لن يستمر طويلاً مشيراً إلى أن العلاقة ستنتهي يوماً ما معهم ومع من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية لأن الإدارة الأمريكية لن تخوض حرباً من أجل سواد عيونهم وهو الذي أقر في مقال نشره موقع فورين بوليسي بفشل سياسات إدارة بلاده وما أسماه استراتيجياتها في سورية حيث لم يجد السفير السابق لواشنطن في سورية أي حرج في الكشف عن مصير الأدوات الإرهابية التي تعتمد عليها واشنطن لتنفيذ مخططها التخريبي في سورية وقد رأى في مقال نشر مؤخراً أن أمريكا لا تستطيع أن تفعل الكثير لدعم أدواتها الإرهابية في سورية بعد الآن …. ومن جانب آخر نجد أن الإدارة الأمريكية ممثلة برئيسها دونالد ترامب وبعد أن فشلت في جر إيران إلى طاولة المفاوضات ورطت بريطانيا من أجل الاستفادة من أي خطأ يمكن أن ترتكبه إيران بعد أن تركت بريطانيا تواجه ورطتها وحيدة على بساط ساخن فالتراجع يمكن أن يسقط هيبة المملكة البريطانية فمن الصعب عليها أن تعيد ناقلة النفط الإيرانية حتى تعيد إيران ناقلة النفط البريطانية المحتجزة .. وعلى هذا فقد وقعت بريطانيا في مأزق لا تحسد عليه وما زالت تكابر وتبحث عن حل ينقذها من ورطتها بحيث يمكن أن تحفظ ماء وجهها الذي سقط في مضيق هرمز .
الإدارة الأمريكية تعيش حالة من التخبط والإحباط حسب تصريح روبرت فورد وهو يعكس حقيقة التراجع في القدرة الأمريكية دولياً حيث أن واشنطن غير قادرة على تمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يتيح لها شن عدوان على سورية تحت مظلة الأمم المتحدة بسبب الموقفين الروسي والصيني اللذين أحبطا حتى اليوم عدة محاولات أمريكية وغربية في المجلس وهي في الوقت ذاته غير قادرة على شن حرب ضد إيران لأنها ستشعل حرباً عالمية ستخرج منها خاسرة وستفقد كل قوتها في منطقة الشرق الأوسط ولن يبقى لها أي سيطرة ولا على شبر لا في الخليج ولا في أي بقعة من بقاع الوطن العربي .
ولأن الإدارة الأمريكية ورئيسها القادم من سوق المقاولات يحسب الأمور بشكل تجاري فإن تلك الحسابات ستجعله خاسراً على الدوام ولن تغطي النفقات الباهظة لها على الرغم من أن دول الخليج بما فيهم السعودية وقطر تسدد الجزء الأكبر منها ولأنه لا يشبع بالمفهوم التجاري ولأن السعودية لن تقو على تحمل دفع المليارات على الدوام كي تستمر تلك الحرب المجنونة ولا بد للضرع أن يجف وحينها ستتحقق نبوءة ترامب بذبح البقرة السعودية وسيتم التضحية بها أمام أطماعه وأطماع إدارته التي لا تنتهي وذلك بعد أن يحصد الهزيمة المدوّية التي بدأت ملامحها بالظهور ومنها تراجع الإدارة الأمريكية وعدم تورطها المباشر في حروب المنطقة وإدارة حروبها عن بعد وتوريط الآخرين فيها .. وهذا يؤكد المثل القائل أول الرقص حنجلة .
عبد الحكيم مرزوق