لاشك أن الحوارات فن شائع في عوالم الأدب والفن والسياسة ، وغالبا ً ماتكون هذه الحوارات أسئلة يوجهها إعلامي أو أديب إلى أديب أو فنان مشهور أو سياسي ذي مكانة ويقوم بالإجابة عليها ، وينشر هذا الحوار في صحيفة أو مجلة أو يعرض على شاشة صغيرة أو يبث عبر الشابكة أو الفضائيات هذا ماهو شائع ومعروف في فن الحوارات ولكن النادر أن يقوم أديب موسوعي هو الدكتور هيثم يحيى الخواجة بمحاورة شقيقه الأديب القصصي والناقد الدكتور دريد يحيى الخواجة وبينهما مسافات مكانية بعيدة وعلى مدى زماني يمتد أكثر من شهور وينشر في كتاب مستقل عن دار الكتب والدراسات العربية في الإسكندرية وليس هذا وحده الذي يعطي الندرة لهذا الحوار وإنما المنهج الذي خلقه المحاور الدكتور هيثم يحيى الخواجة والذي وظف فيه معظم ماكتب من دراسات نقدية عن مجموعات الأديب الدكتور دريد القصصية : وحوش الغابة ، التمرير، رسام البحر، رهائن الصمت ، مصير مخلوق صامت ، وعن كتبه النقدية وأخص بالذكر كتبه : الصفة والمسافة القصيدة لا الشعر،الغموض الفني في القصيدة.
كما وظف المحاور الشهادات التي أدلى بها أدباء وفنانون وأكاديميون في أدب دريد يحيى الخواجة .. وما أكثرها !!
وقبل ذلك وبعده من أدرى بالأديب من شقيقه ؟! من أعلم منه بالخلفية الاجتماعية والثقافية والفكرية؟! من أدرى منه وخصوصا ً أن الشقيق أديب موسوعي تجده في المسرح والقصة والشعر والدراسات تجده في أدب الكبار وأدب الأطفال، وهو أديب جاد لا يكل ولا يمل يتابع إبداعات الجميع فكيف إبداعات شقيقه ؟!
إنه حقا ً استطاع أن ينبش مفاصل من الماضي لايعرفها إلا القريب القريب وحرض بأسئلته إجابات ذهبت بعيدا ً عما كان يتوقعه ، وأعمق بكثير مما كان يظن وبعد المقدمة المكثفة وضع ماجاء في موقع : روح الشتاء – عن الأديب الدكتور دريد يحيى الخواجة : احد المبدعين في دائرة النقد العربي ينشر نقده في الصحف المحلية والعربية وكذلك قصصه على المواقع الأدبية ، بدأ مرحلة الإنتاج الأدبي في أوائل الستينات . والخواجة لايزال متابعاً غنياً في ثقافته ثرياً في أدبه ودراسته ، ولديه الكثير من الأعمال التي هي قيد النشر .
هؤلاء من صنعوا الحرف بأبجدية مختلفة وكان لعظمة انتشائهم نكهة فاتنة، محابر لا تجف وقلوب باذخة العطاء ، لهم في ريف أرواحنا نصيب من الحب وبعد هذه الشهادة المنقولة عن الشابكة حمل إلينا الدكتور هيثم شهادات حول تجربة إبداع الدكتور دريد يحيى الخواجة في القصة والنقد والشخصية الإنسانية بدأت مع شهادة الروائي عبد النبي حجازي والمستشرق والبلغاري : الكسندر فاسيليئوف وامتدت إلى الدكتور الباحث فاخر صالح ميا والدكتور نذير العظمة والدكتور هايل الطالب والقاص والناقد يوسف مصطفى والدكتور مازن الوعر والشاعر والباحث المسرحي خالد محي الدين البرادعي والقاص الرائد سعيد حورانيه والناقد والقاص محمد ابو خضور والروائي التونسي فتحي الهمامي والشاعر الناقد ممدوح السكاف والشاعر والناقد خالد زغريت ، والشاعر والباحث الدكتور غسان لافي طعمة والأستاذ الدكتور عبد الإله الصايغ وكلها شهادات أكدت أن دريد يحيى الخواجة قامة أدبية فارعة في ميدان القصة والنقد ومن أوجز هذه الشهادات وأكثرها دلالة ماكتبه محمد ابو خضور :
« إن دريد يحيى الخواجة من القاصين القلة في الوطن العربي الذين يكتبون وفق مايحسون ومانحس به لاوفق مايفتعلونه » .
وبعد هذه الشهادات بدأت أسئلة المحاورة منطلقة من قصة الطفل دريد وحي ظهر المغارة الذي مازال يزحم انف الأديب ..أتربة ..وقش يهرب بعضه فيطير فوق الرؤوس من حزم هائلة محمولة على عربات خشبية يجرها حصان واحد او بغل واحد لها صدى يضج به الحجر ..
وامتدت الأسئلة عن أثر هذه الطفولة العميق والعلاقة بالوالد والوالدة والأخوة والأهل واقتطف هنا مما كتبه دريد إلى هيثم في إهدائه مجموعته القصصية الأخيرة « مصير مخلوق صامت» ففي الإهداء الكثير الكثير من الإنسان والمكان : اصحبني لنفتح الآن حجرة الأولاد فتهب علينا نسائم الفرح الآفل ..دريد ، زياد ، هيثم … يتشاغلون الآن بالمسرح البيتي الصغير وتدريبات عروض قادمة « « ثورة الجزائر ، كليبر ، البخيل ، صرخة الثأر… وفي الإجابة على السؤال التاسع أسمعنا دريد قصيدة الشاعر الفلسطيني الدكتور عبد الله الشحام التي ودع بها دريد في مدينة جدة السعودية عندما غادرها ومنها :
العصافير أجمل حين تطير
تظللها قطع من سحاب بدا
والسماوات أجمل حين يغرد فيها الضياء النوراني
مؤتلقاً بالندى
وكانت المداخلة الرائعة للمحاور الدكتور هيثم وهذه المداخلات أعطت الحوار بعضاً من وهج ندرته :
ومن بوح غربته إهداء قدمه لابنه مرهف وأسرته الذي كان غادره مبكراً إلى أمريكا ، حيث واصل غربة أبيه بظروف مشابهة .
إلى ابني مرهف ، الطاعن في الغياب والغربة ، الحاضر فينا كالماء .
يا غربتي اللامتناهية المتلونة مثل أمواه البحر ، إلى متى هذا الامتداد والاتساع .
وعلى مدى سبعة وعشرين سؤالاً أغنتها مداخلات المحاور الدكتور هيثم يحيى الخواجة ، نقلنا الأديب الدكتور دريد يحيى الخواجة الى عالمه الإنساني والإبداعي فأدخلنا إلى منزل العائلة المكتظ بالأولاد في حي ظهر المغادرة في حمص وأخذنا معه إلى المغرب فوقفنا معه في حضرة – سيدي رحال – كما اصطحبنا في رحلته إلى السعودية والإمارات واليمن وأمريكا ،وكان في كل ذلك نقياً كدمعة طفل صلباً كأشجار السنديان ، وطنياً صادقاً وإنسانياً راقياً.. والشكر كل الشكر للأديب الدكتور هيثم يحيى الخواجة الذي بذل جهداً مرهقاً وقدم عملاً رائعاً ليقول للقراء :هذا هو شقيقي المبدع الدكتور دريد يحيى الخواجة رساماً للبحر فاضحاً لوحوش الغابة متعاطفاً مع رهائن الصمت والمخلوقين الصامتين .
د. غسان لافي طعمة
المزيد...