عصام ترشحاني في « محارات الروح»…فلسفة شعرية و تراجيديا إبداعية

بين عنوان الديوان « محارات الروح « والإهداء توقفت طويلا ً ، وهي محاولة قد تبدو خارج منطق قراءة الشعر حين يقول:
دلّهم أيها الماء عنّي
وعن وردة
خبأت عطرها في النشيد
فاتني – والحريق سؤال الثرى
أن أزّوج الشهيد
والذي يستوقف قارىء الديوان هو «الإهداء» أو « المقدمة» لتدخل في جملة التأويل والتخمينات محاولا ً التنبؤ بإجابات لعبارته « دلّهم أيها الماء عنّي» وأمام هذا الوصف الجميل سوف تقع في فخ الحيرة المغلقة على أسرار لاتبوح بها القصائد بقدر ماترمز وتشير تاركا ً لقارئها فرصة العودة إلى القصيدة مرّة .. بعد مرة
فهاهو يقول في فصل « أسلّم قلبي .. لآخر منفى»
في خفايا الجنون سأصغي
طِباقا ً ..
إلى سابع الموت .. أصغي
وقاب انتحارين فيها
وأعلى
أضيء انتحاري
رسيسا ً .. قبيل التهجّد
يجتاحني ماتضور منها
هي الآن مابينني تتجاحم ..
يانار كوني اختصابا ً ..
أنا ما ابتليت من الشعراء سواها ..
حتى أضاءت قصيدة الشاعر في مرثية « هل خسرت الآن نصفي « ، وهو يودّع صديقه المرحوم الشاعر « عادل أديب آغا « والتي فاضت بسيل جارف من الحزن والأسى، بقدر مافاضت بالإمساك بمفاتيح الفلسفة الشعرية المفعمة بالأحاسيس والمشاعر فيقول:
من ذا الذي سرقته
عوسجة الردى .. فامتد من لغة
يؤرقها
إلى غيب يحاوره
الورد ودّعه
قبل ارتجاج الحبر بين يديه
ودّعه
هذا الذي تحت الوسادة
في الحقائب ، في دم الأوراق
ومضيت ياشغف السدا
أقول مضيت، والصحراء كانت
رحلة الخبز الجميل لديك
فلمن أطيّر مهجتي
لم يبق غير الحزن
ضوء من جنون دمي ..
في هذه القصيدة ، كما في غيرها من قصائد « عصام ترشحاني» تتزاحم التفاصيل الصغيرة ، وتهجم صور الماضي ، ويمتزج الخاص بالعام في تداعيات ذاكرة لاتُنسى، حيث امتاز هذا الشاعر بالتمرد، ورغبة التغيير ، والبحث عن الجديد، كما حمل حساسيته وقلقه .. ما أن يخرج الشاعر ، من دائرة الحزن حتى يقع في الأخرى فلا انفراج .. ولاخروج من دوائر الحزن والحصار ، ففي ديوان « محارات الروح « امتزاج جميل للماضي والحاضر يعيده من زواياه البعيدة في قصائده : / ملحمة الدخان – فصل – نجد القبلة- جدائل الورد / وغيرها .
وهكذا فإن قراءة ديوان « محارات الروح « تستلزم التخلّي تماما ً عن المظلات التي تفصل الروح عن لحظة الدهشة الموجعة بالإضافة لإبداعاته الحداثية التي خطت بالقصيدة إلى فضاءات وعوالم لها لغتها وألقها، وصورها، وجديدها، وجرأتها التي تصدرها تلك القصائد وهي تراهن على قارىء آخر يغوص في الحزن أكثر أمام محارات ليست هي تصل بمداها للبوح الإنساني الحداثي الشفيف .
الجدير بالذكر أن الشاعر عصام ترشحاني من مواليد ترشيحا – فلسطين 1944
-حاصل على إجازة في التاريخ – جامعة دمشق
– نال جائزة أفضل شاعر عالمي من الأكاديمية العالمية الشعرية في فلوريدا 2004
– مؤلفاته 21 كتابا ً شعريا ً نذكر منها /قراءة في دفتر الرعد – الغزالة تعود إلى البحر – محارات الروح- رعاة الجحيم- دوران النور .. / .
وسيم سليمان

المزيد...
آخر الأخبار