تتكرر في كل عام خسائر مزارعي التفاح و الذين يلجأ بعضهم لقلع الأشجار في حين يأسف الآخر ويتابع عمله في حقل ورثه عن الأب أو الجد على أمل تحسن الواقع التسويقي أو وجود خطوات جادة تدع المزارع في أرضه .
ولأن أغلب المزارعين لايجيدون شيئاً آخر إلا الاعتناء بالأرض و المحاصيل الزراعية تبقى آمالهم معقودة على الجهات المعنية علها تجد لهم حلولاً ناجعة تنقذ مصدر رزقهم الوحيد…
اليوم تتكرر إضاءات العروبة على معاناة المزارعين كونها الشريحة الأهم في دعم الاقتصاد الوطني و تحقيق الأمن الغذائي فعلياً , ونتناول في تقرير اليوم الخسائر التي مني بها مزارعو التفاح وهو من المحاصيل الزراعية المهمة اقتصادياً ويغطي مساحة واسعة من الأراضي المزروعة و تتركز في الريف الغربي و التي تصل إلى 11 ألف هكتار
فوق الخسارة … عصّة الأسعار
مزارع في قرية حدية قال :إن شريحة المزارعين أصبحت الأكثر تضرراً في أغلب المواسم لأسباب متعددة فعندما ينجح المحصول نجد سوءاً بآلية التسويق أو بالعكس ..
وأوضح أن مستلزمات العملية الزراعية أصبحت مكلفة جداً بدءاً من الأدوية غالية الثمن إلى ساعات الحراثة و غيرها من الإجراءات التي يجب أن يقوم بها المزارع لخدمة أرضه…
وعلى سبيل المثال فإن أحد أنواع الأدوية الزراعية يتراوح سعر الليتر الواحد منه بين 5000 و 7000 ل.س يمزج مع500 ليتر من الماء , وبالتالي لا يرش أكثر من دونم في أفضل الأحوال و التكلفة الإجمالية في العام تتجاوز 800 ألف ليرة بالنسبة لمحصول التفاح الذي يحتاج شجره للرش بالأدوية الزراعية كل 10 أو 12 يوماً .. وهو عبء كبير على المزارعين..
وأوضح مزارع آخر أن أجور ساعات الحراثة ليست أفضل حالاً فأسعارها مرتفعة و نحتاج إلى فلاحة الأرض مرتين على الأقل في كل عام إضافة لعمليات التقليم و التسميد و الرش بالأدوية الزراعية وكلها أعباء نتحملها فوق الخسارة ..
مكره أخاك
وتحدث آخرون عن النوعية السيئة للمبيدات الزراعية وكونها غير فعالة في أغلب الأوقات وغير مضمونة , وأكدوا أنهم مضطرون لشرائها من تاجر القطاع الخاص لإمكانية الدين والتقسيط و هو أمر لا نجده في جهات القطاع العام التي تسوق الأدوية الزراعية المضمونة..
خارج التغطية
وأشار مزارعون من قريتي حدية و حاصور أن قراهم خارج التغطية الإنتاجية لهذا العام و أكدوا أن الإنتاج لم يصل إلى 15% في أفضل البساتين , وأكد أحدهم أن موجة البرد و انخفاض درجات الحرارة و الرطوبة العالية المستمرة منعتنا من تطبيق مكافحة مرض الجرب على الأقل , إذ أن المطر كان بشكل متواصل و بالتالي أي رشة لابد من إعادتها في يوم لاحق لعدم جدواها بعد هطول الأمطار و أشاروا إلى أن الهم الأكبر هو فشل الموسم هذا العام قائلين : أصبحنا نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على الشجرة من أن تموت ..
وأكد كل المزارعين الذين التقتهم العروبة أن قرى حدية و حاصور وجنكمرة و طريز و البطار كلها ينطبق عليها هذا الحال … و أشاروا إلى أنه بالأحوال العادية نطبق كل عام خمس رشات على الأقل لكن هذا العام لم نتمكن إلا من تنفيذ رشة واحدة وهو أمر أثر بشكل سلبي جداً…
300 ليرة وسطياً
من جهة ثانية أكد مواطنون التقتهم العروبة في أسواق حمص أن التفاح موجود و متوفر وبكميات لاتماثل العام الماضي إلا أنه غالي الثمن و الكيلو بسعر 350 ليرة وسطياً والنوع الجيد 500 ليرة ..
وأشار أغلبهم أن الربح الأكبر للتاجر الذي يشتري بسعر و يبيع بسعر أكبر و أكدت إحدى السيدات أن التفاح هذا العام لم يتذوقه أولادها إلا مرة واحدة ومع ارتفاع الأسعار الجنوني ربما أعجز عن شرائه بسبب ضغط الحاجيات وارتفاع الأسعار الجنوني خاصة وأننا أصبحنا نعتبر الفاكهة من الكماليات والتفاح من ضمنها.. و هنا يخسر المزارع و المستهلك في آن و يبقى التاجر هو الرابح الأكبر ..
نأمل بفعالية أكبر
المهندس موفق زكريا رئيس مكتب التسويق في اتحاد فلاحي حمص ذكر بأن الموسم الحالي يقدر بحوالي 80 ألف طن و في الموسم الماضي كان 110 آلاف طن , و ذكر بأن الاتحاد توجه بعدة كتب مطالبة للجهات المعنية لتعويض المزارعين عن الخسائر التي حلت بموسم التفاح نتيجة سوء الأحوال الجوية ..
و أشار إلى أنه و بسبب الأمطار الغزيرة بفصل الشتاء و البرد لم يتمكن المزارعون من رش المبيدات حسب البرنامج الوقائي للمحصول تبعتها موجة صقيع مما أوقع أضراراً كبيرة بالمحصول و تدني بنسبة لاتقل 30 %
وأوضح زكريا أن أغلب المزارعين يتوجهون للقطاع الخاص للتزود بالمبيدات والأدوية الزراعية بسبب طرق البيع المتبعة سواء بالتقسيط أو الاستدانة على الموسم , وهوأمرغير محقق في المراكز الحكومية..
مؤكداً أن الأدوية الزراعية المضمونة متوفرة في مراكز اتحاد الفلاحين وبجودة عالية و بصلاحية جيدة و لايتم استجرار أي كمية بتاريخ إنتاج قديم ..
و أشار إلى أنه يوجد عشرة مراكز أدوية منتشرة في منطقة المركز الغربي و تلكلخ وهي بحاجة لدعم إضافي , ولابد من التنويه بأنها موضع ثقة لأن الأسعار مدروسة وهي عبارة عن كلفة إنتاج مضافاً إليها 10% فقط لتغطية مصاريف التسويق , وهدف هذه المكاتب خدمي بحت وليس ربحياً ونحاول تلبية متطلبات الفلاحين من المبيدات الزراعية والأدوية ..
لم تغط فارق الكمية
وأضاف زكريا : تقدر كلفة إنتاج الكيلو الواحد للتفاح السقي حوالي 118 ليرة و للبعل حوالي 130 ليرة … ورغم أن الأسعار التأشيرية هذا العام جيدة و يوجد 50 ليرة إضافية لكل كيلو بالنسبة للأصناف الأولى و الثانية , ولكن لأن كميات الإنتاج متدنية لم يغط هذا السعر فارق الكمية بالإنتاج نتيجة النقص الحاصل في وحدة المساحة ..
أما بالنسبة للتسويق فأشار زكريا أنه و في كل عام تقوم السورية للتجارة بتسويق كميات من المحصول وفق شروط محددة مؤكداً بأن نسبة التسويق عبرها لا تتجاوز 3% من المحصول في أفضل الأحوال بالنسبة للمواسم السابقة .. ونتمنى أن يكون دورها فعالاً أكثر ضمن إمكانياتها وأن تصل على الأقل إلى 7- 8 % في المواسم المقبلة ,وهو إجراء يعطي نتائج إيجابية لامتصاص جزء من الإنتاج لصالحها و بالتالي يحقق نوعاً من التوازن , خاصة وأن مؤسسات القطاع العام هي الضمان للفلاح و المواطن وتقوم بضبط الأسعار بالأسواق شريطة تسعيرها بما يغطي الكلفة و يحقق هامش ربح للفلاح كونها مصدر رزق معيشي له …
عدم تسويق أي كمية
من جهته أوضح عماد ندور مدير فرع السورية للتجارة بحمص أن فرع المؤسسة لم يقم باستجرار أي كمية من التفاح من المزارعين هذا العام و ذلك لأن الكميات قليلة و النوعيات الموجودة كلها مصابة ,و بالتالي لاتتوافق مع المواصفات التي يتم وفقها الاستجرار مشيراً إلى أن الأصناف المصابة هذا الموسم غير صالحة للتخزين أو التبريد بأي حال من الأحوال ..
4,5 مليون شجرة
وبحسب مدير زراعة حمص فإن زراعة التفاحيات تتركز في منطقة تلكلخ والمركز الغربي وتلدو والقصير و بنسب قليلة في مناطق أخرى , وتصل المساحة المزروعة بالتفاح على مستوى المحافظة إلى 11 ألف هكتار و يبلغ عدد الأشجار الكلي 4 ملايين و نصف المليون شجرة يصل عدد المثمر منها إلى 3 ملايين و نصف المليون وتتنوع بين صنفي ستاركن وغولدن ..
وأضاف : إن الحالة العامة للصنفين متوسطة و ليست جيدة , والحمل خفيف منذ بداية الموسم نتيجة الظروف الجوية و قلة ساعات البرودة وارتفاع الحرارة , منوهاً أن الصنف غولدن قليل جداً أما الصنف ستاركن فحالته أفضل ولكنه لايصل إلى الجيد , و من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 100 ألف طن ..
وحدة إنتاج التفاح ملاذ
من جهتها أشارت المهندسة منى محفوض رئيس دائرة تنمية المرأة الريفية بمديرية الزراعة أن وحدة تصنيع التفاح برباح والتي قُدّمت كمنحة من الحكومة السورية بالتعاون مع منظمة الفاو متعددة الأغراض وتساعد على إنتاج عدة منتجات من التفاح والتي يصل عددها إلى 15 منتجاً مثل الدبس و الملبن بأنواعه السادة و المخلوط بالجوز أو اللوز والعصير ومربى التفاح بأشكاله والخشاف والخل ومنتج الهلام أو الجيل النباتي من قشور التفاح .. وغيرها من المنتجات حسب نخب التفاح , مؤكدة أن المعدات تستطيع تصنيع كل المنتجات بالاستعانة بوحدة التصنيع ومنها مختلف منتجات الحليب و الألبان و الأجبان ..
وتتمكن الوحدة من استقبال كميات كبيرة من التفاح لتصنيعه و بالتالي من الممكن أن تكون ملجأً للمزارعين .. خاصة وأنه تم تنفيذ دورات تدريبية متخصصة للمصنعات ليتمكن من إنجاز العمل بجودة عالية ولتكون المنتجات ناجحة و ذات ريعية اقتصادية أكبر و تتصف بالسلامة الغذائية و التعقيم والتكلفة الأقل..
أخيراً
لم يبق للمزارعين إلا التعلق بأمل واحد وهو ترجمة الوعود إلى أفعال حقيقية على أرض الواقع من قبل الجهات المعنية و التي تتمثل بتأمين المبيدات والأدوية اللازمة وتشديد الرقابة على المستوردة منعاً لاستغلال التجار للفلاحين والعمل على كبح جماح طمع التجار والمحافظة على هذا المنتج , ونشر التوعية اللازمة عبر الإرشاديات الزراعية و الجمعيات الفلاحية لتخديم الأرض بالشكل الأفضل لتجنب خسائر لاحقة ..
هنادي سلامة – محمد بلول