قصص العرب فيّاضة بخبرات وتجارب ، وغنيّة بعبر ومواعظ تقصّ حكايات جادت بها قرائح ، وأشرقت في ربوع تفاصيلها دلالات ،
ونهضت قيم ساميات تنفح بعبق الأصالة شيماً قيوماً ، وقد تجذّرت في مهاد الأرض ، وأينعت حقولاً ، وراحت تعبر الأزمان فضاء نور ينداح شعاعاً ما بين عصور وأجيال .
إنّه ثراء التّراث في مكين كلّ جمال يقرأ الإنسان الطّالع أصالة منارةً تزدهي بها الاضواء ، فيغدو النّور بهاء دارٍ لفكرة ٍ وإبداع و إنسانٍ ومتع مجتمع وفضاء أمّة و آفاق حضور في أنفاس الحياة عبر مدارج الحضارة حيث الإنسانية سعادة قيم في وعي نبل متأصّل داراً فدارا.
جميلة واحدة من القصص لذلك الأعرابيّ الّذي كثيراً ما شدّ انتباه مضارب حلّ فيها وقد سأله مضيفوه عن تلك الصّرة الّتي كان يقرّ بها من محياه ويفكّ عقدتها ناظراً إلى ما بداخلها وقد توّج نظره بشميم ما بداخلها فتعدّدت الحال لدى كلّ قوم حطّ رحله عندهم لكنّ سلوكه مثل إجابته ، ومثل تجذّره في أصالته أنّ ذاك الكنز هو تراب داره وموطنه.
إنّها الدّار السّاكنة وقاراً في سعادة البال ، وطمأنينة الحال وهدوة السّكينة في رزانة الاستقرار والهويّة والانتماء ومرجعيّة الحنين لوقدة وجدان يتلظّى هياماً في الخبايا والضلوع إنّها المسكن والسكن والانتماء إنّها الدّار .
تلك الدّار الّتي مادام بريقها صدى لهفات الوجد في ترانيم قوافي الشّعر بوحاً لمكامن التّعلق بأهداب الحبّ والجمال ، وقد عزّى الّلقاء لتصبح رمزاً في معمارية كلّ قصيد ومناط قول ، وإن أعيت جواباً جرّاء صدٍّ وهجران ، وقد طال عليها سالف الأمد، أم كانت ما بين لهفات المحبّ وجغرافيّة المكان ثباتاً.
كما ( ودار لها بالرّقمتين …) أو رغائب أمنيات وحفاوة تكريم في مكانة المحبوبة ( فكلّ نجدٍ للعامريّة دار) .
إنّها الدّار في مطارح المكنونات الكينونة الذاتيّة لفلسفة الإنسان ضيفاً عابراً وبلاغة الحكمة في التّأمل ضمن قرابة وشائج علاقة الإنسان بالأهل والأحباب ذراريّاً وجيرانا ( حيّ المنازل إذ لا نبتغي بدلاً بالدّار داراً ولا بالجيران جيرانا) إنّهم المكان يتنفّس حياة ما بين أناس في عشق مكان في سموّ دار .
إنّها الدّار المقاومة في اتّساع وطن ومركزيّة قضّية عادلة وشموخ أمّة في مواجهة كلّ تحدٍّ فدار المقاومة منازل انتصارات في مقارعة كل غازٍ ودخيل وهي طافحة بالعزّ ومسوّرة بالنّار في وجه كلّ تحدٍّ .
وفي مرمى مركزيّة النّباهة هي تعاضد روح بجسد فأيّهما يدانيه موات أو موت فالمال فناء فجميل هذا التّكامل الخلّاق في بنائيّة كلّ منهما وعياً وعملاً واغتنام الزّمان (..ومفترق جاران دارهما العمر..).
إنّها الدّار حصافة الانتماء مداميك تكامليّة ما بين إنسان و أرض وقيم وتضحيات وطافحات أفراح مواسم غلال وناهضات أعمال شموخ ديارٍ في عزّة وطن ورقي إنسان.
وجميل هذا البوح في قصيدة النّهر الخالد :
شابت على أرضه اللّيالي وضيعت عمرها الجبال
ولم يزل ينشد الدّيارا ويسأل اللّيل والنّهارا
نزار بدّور