منذ بدء الخليقة كانت مسألة استشراف المستقبل هاجساً يؤرق الإنسان ،وكانت لديه رغبة جامحة في الخوض في المجهول بدافع الحذر من الأسوأ أو الأمل بالأفضل ،وتحلّقت مختلف الشرائح الاجتماعية حول المنجمين والعرافين تلبية للفضول الإنساني ورغبة في التعلق بالأمل الكاذب وخاصة البائسة منها لان الغريق كما يقال يتعلق بقشة النجاة .
والتنجيم لا يحتاج إلى أكثر من التعامل مع هواجس الناس وأمنياتهم ،وهو مختلف كلياً عن علم الفلك لأنه علم زائف والمنجمون فئة أقرب إلى الشعوذة .
في الحروب تتفشى ظاهرة التوجه نحو العرافين وقارئي الطالع لأن مصائب الناس تكثر ،وتزداد حالات الفقدان والخطف ويبحث الأهل عن مصير الغائبين في غرف الدجالين والمشعوذين في محاولة للتوازن النفسي وعدم اليأس ويشترون الوهم بمبالغ باهظة وهذا ما يفسر الثراء الذي يعيشه الدجال ويظهر ذلك من خلال مقراتهم الفخمة واستقبالهم لشخصيات معروفة ،وقد حفلت دراما شكسبير بحكايات أهل السلطة مع العرافات والساحرات واستشارتهم بأمور الدولة ومستقبلها ،والدوائر الاستخباراتية في أمريكا تعتمد على المنجمين وتنبؤاتهم لتلميع بعض الأسماء في عالم السياسة وللتأثير على العقول البسيطة في العالم الثالث ،لأنها أدركت أن النفس البشرية تتحكم بها بعض الإيحاءات وتذهب من حيث لا تدري في الاتجاه الذي رسم لها معتقدة أن هذا هو قدرها .
التنبؤ بالأحداث المستقبلية من باب التكهن لا يقبله العقل السليم ولا الدين (ليس منّا من تطيّر )،وما يقوله قارئو الغيب هو استخفاف بعقول الناس وبالعلم أيضاً ،وحين تنتشر هذه الظاهرة في مجتمع ما بشكل كبير فمعنى ذلك أن الجهل متفش في هذا المجتمع ،وقد تلجأ الفئات الفقيرة إلى المشعوذين للتداوي بدلاً من اللجوء إلى المستشفيات والأدوية الباهظة الثمن .
في ليلة رأس السنة يكثر ظهور المنجمين على شاشات التلفزة ،ولهم جمهورهم العريض ،ولكن كذب المنجمون ولو صدقوا ،والغيب بحر يخصُّ الله فلا تخوضوا فيه .
سمر المحمد