عودة الحياة إلى أسواق حمص التجارية… إعادة تأهيل و ترميم 631 محلاً تجارياً و 179 محلاً بانتظار التمويل اللازم لتأهيلها
عند الحديث عن أسواق حمص الاثرية التراثية و ما حصل لها و نحن على أبواب السنة العاشرة من عمر الحرب الكونية على سورية على يد العصابات الإرهابية المسلحة لا بد من تقديم لمحة تاريخية موجزة عن مدينة حمص لنتمكن من تكوين فكرة لماذا نتحدث عن هذه الأسواق ؟ وما تعنيه للمواطن من أهمية اقتصادية و تجارية و اجتماعية ؟
المهندس حسام حاميش رئيس دائرة اثار حمص يوضح ذلك قائلا: يرقى تاريخ مدينة حمص نحو خمسة آلاف عام مضت و اول من اكد اسمها القديم – إيميزا – او إيميسا – كان المؤرخ اليوناني بلينو و يتوقع ان اساس السكن في المدينة يعود الى تل حمص الاثري «قلعة حمص » حاليا في حوالي العام 2300 قبل الميلاد و مع وصول ابنة حمص جوليا دومنا الى عرش الامبراطورية الرومانية عن طريق زوجها الامبراطور سبتيموس سيفيروس حظيت المدينة باهتمام الرومان و الأسرة العربية التي حكمتها و اصبح تل حمص اكريبول المركز الديني و الاداري لها و عرفت حمص بأبوابها السبعة و انتشار تجمعات سكنية حولها مثل ممالك قطنا و قادش و ماري.
و الى عصر الحديد ينسب وجود معبد الشمس ايلاغابال في حمص و الذي يرجح انه بني بعد عام 500 قبل الميلاد وهي الفترة المتوافقة مع انتشار الحضارة الاخمينية إذ قد انتشرت خلال تلك الفترة عبادة اله الشمس.
و يؤكد المهندس حاميش ان المؤسس الحقيقي للأسواق الاثرية في حمص هو نور الدين زنكي بعد ان استقر على بناء الجامع المعروف باسمه الجامع النوري ،قرر ان يفعل هذه المنطقة تجاريا فقام بتحويل الارض المحاذية للجامع الى اسواق تجارية على مساحة اجمالية وصلت الى 40 الف متر مربع حيث بنيت هذه الاسواق وفق الطراز المعماري المملوكي ذي القناطر المزدانة بالنجوم الزخرفية و من اشهرها سوق الحرير – المعصرة – العطارين – الصاغة – البازرباشي – الصرماتية –ولا ننسى خان القيسارية وهو الخان الوحيد الذي مازال باقيا من العهد المملوكي و أضيف إليه خلال الاحتلال العثماني طابق آخر و ذلك أثناء عهد الوالي اسعد باشا بن إسماعيل العظم .
تاريخيا
الدكتور عبد الرحمن البيطار رئيس الجمعية التاريخية بحمص اجاب على سؤالنا عن اسواق حمص الاثرية من خلال ندوة حمص الاثرية التاريخية حيث قسمت أسواق حمص إلى أسواق حسب السلعة التي تباع فيها مثل : اسواق الحشيش الخضار وحسب المهنة مثل : سوق الصاغة –النحاسين- الخياطين – النجارين – وغيرها….وأسواق باسم المالكين مثل : سوق الفيصل وسوق الجندي ، وباسم من يتولى فيها العمل مثل : سوق النسوان حيث كانت النسوة يبعن فيها الاشياء القديمة و المستعملة يقابله سوق العتيق بدمشق .
وهناك أسواق بتسميات مختلفة مثل : سوق الحميدية نسبة للسلطان عبد الحميد و سوق الحسبة و كانت وظائف المحتسب مراقبة الاوزان و المكاييل و في حمص كانت تقوم اسواق دورية مثل سوق الغنم و سوق الخميس و غيرها ….
و الأسواق المسقوفة الأثرية بحمص لم تكن تخلو من وجود جامع و مدرسة و خان و سبيل ماء و دار الحسبة و شيخ السوق، و في حمص خضع بناء الأسواق إلى العوامل الاقتصادية و المناخية و مواد البناء المتوفرة و خاصة الحجر الاسود المغطى بالكلس و القنب و يحيط بالسوق من الاعلى نوافذ للتهوية و الانارة .
إعادة الترميم و التأهيل
هذه الاسواق التجارية التي تعرضت الى التخريب و التدمير على يد العصابات الارهابية المسلحة كان لا بد من اعادتها الى الحياة كما كانت عليه قبل الحرب التي مرت على مدينة حمص بعد تطهيرها من هذه العصابات فكان لا بد من التنسيق بين المحافظة و غرفة تجارة حمص و برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP لإعادة تأهيل و ترميم هذه الاسواق ،حيث اكدت المهندسة ريم بعلبكي مدير دعم القرار و التخطيط الاقليمي في الامانة العامة لمحافظة حمص ان الاسواق تضم 810 محلات تجارية قسمت الى اربعة مراحل – قطاعات مكانية – من اجل اعادة تأهيلها و ترميمها استنادا الى وثيقة التفاهم الموقعة مع برنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP و تضمن كل مرحلة اعادة تأهيل كافة شبكات البنى التحتية و ازالة السقف القديم و تركيب السقف القوسي الجديد مع التغطية الشفافة و تركيب ابواب موحدة للمحلات التجارية و آرمات خشبية اضافة الى تأمين الانارة بالطاقة الشمسية حيث تم في المراحل الاولى و الثانية و الثالثة تأهيل 631 محلا تجاريا تضمنت بناء الاجزاء المنهارة في 25 محلا تجاريا و ترميم واجهات المحال المتضررة من اقواس و كورنيشات حجرية في 65 محلا و تركيب نوافذ معدنية شبكية فوق 466 محلا و صيانة 165 شبكة معدنية مزخرفة و طلائها و تركيب ابواب سحاب و آرمات خشبية للمحلات التي تم تأهيلها و البالغة 631 محلا .
وتركيب نظام إنارة بالطاقة الشمسية بمساحة 15 الف متر مربع و تركيب 295 جهاز إنارة ووضعه في الاستثمار وإعادة تأهيل المزاريب المطرية و شبكة الصرف الصحي و الريغارات و شبكة المياه الحلوة و تم ازالة الطينة المحروقة من الاسقف و الجدران و معالجتها و تم تركيب السقف القوسي لأسواق النوري و المنسوجات و المعرض وتركيب التغطية الشفافة للسقف القوسي باللونين الابيض و الازرق مع دراسة تشكيلات لونية مختلفة في التقاطعات وتم صيانة الاسقف المعدنية الجملونية في سوقي العطارين و الفرو و استبدال التغطية بالواح توتياء جديدة كما و تم تأهيل محطة تحويل سعدالله حداد و ملحقاتها و تأمين التغذية الكهربائية للسوق التراثي.
و اختتمت بعلبكي كلامها قائلة : يتم حاليا المتابعة و التنسيق مع برنامج الامم المتحدة الانمائي من اجل تأمين التمويل اللازم لاستكمال اعمال المرحلة الرابعة من السوق التراثي و التي تضم 179 محلا تجاريا علما ان الدراسات الفنية جاهزة لذلك.
ترحيل 70 ألف متر مكعب من الأنقاض
أكد طارق سفر مدير مكتب برنامج الامم المتحدة الانمائي بحمص أنه تم ترحيل 70 ألف متر مكعب من الأنقاض وأن بداية العمل كانت في عام 2014 كما تم إعادة ترميم و تأهيل الأسواق حسب احدث التقنيات العالمية المتطورة شملت عمليات « بناء و تشييد و تأهيل و انارة و غيرها « وأضاف : نحن بانتظار المرحلة الرابعة من العمل لاستكمال بقية محال الاسواق التجارية بحمص لعودتها الى ما كانت عليه قبل الحرب من دور تجاري اقتصادي خدمي اجتماعي لمواطني مدينة حمص.
تأمين معدات مدرة للدخل
الدكتور عبد الناصر الشيخ فتوح رئيس غرفة تجارة حمص قال: بالتعاون بين غرفة تجارة حمص و الجهات المعنية بالعمل على تأهيل الاسواق التجارية لعودة افتتاحها والعمل بها من قبل مالكيها تم الاتفاق مع منظمة UNDP لترحيل الاتربة من الوسط التجاري ، والاتفاق مع UN HAPITAT و مشروع عون على تنفيذ مشروع المعدات المدرة للدخل حيث تم توزيع المعدات على حوالي 200 ورشة حرفية عاملة في السوق لمساعدة المتضررين للعودة الى اعمالهم ، منوها أن الغرفة تدرس حاليا مع منظمة UNDP إعادة تأهيل سوق الخضار» الحشيش» و سوق الجندي و سوق الناعورة و ساحة الاندلس و شارع أبو العوف و قد تقدم حوالي 600 شاغل لهذه المحال بطلبات العودة الى محالهم و العمل فيها ..
و أشار إلى أنه لم يغب عن اهتمامات الغرفة اهمية تأهيل شارع القوتلي و تنويره لما له من اهمية كبيرة كونه الشريان الواصل بين شارع الدبلان و سوق الحميدية و تأهيل شارع ابو العوف الواصل بين سوق الخضار و شارع القوتلي لذلك فتأهيل 600 محل و اعطاء شاغلها المعدات اللازمة له اثر كبير لعودة دوران العجلة التجارية في حمص ..
مرصد حمص التجاري
وأكد الدكتور فتوح ان الغرفة تعمل على تأسيس و اطلاق اعمال المرصد التجاري لمركز مدينة حمص و اسواقها التراثية و الذي يمكن ايجاز أهدافه بالنقاط التالية: جمع البيانات المبعثرة و تكوين قواعد بيانات متطورة DATA BASE بهدف اعادة الاعمار و التنمية المستقبلية و أرشفة وثائق الملكية العامة و الخاصة و ربطها بالمخططات الهندسية ، إضافة إلى حفظ الملكيات و الحقوق و ربطها بالمخططات المكانية ووسائل الاتصال مع اصحابها و رعاية مصالحهم وتحديد طبقات العمل LAYERSوفق مبدأ الاولويات للمساعدة على اتخاذ القرارات اللازمة ، والوصول إلى قاعدة بيانات سهلة التعامل لوضعها في متناول الجهات المعنية ، إضافة إلى : الربط المجتمعي مع المرصد و جعله متاحا ضمن ضوابط للمنظمات و الهيئات العاملة في تأهيل و اعادة اعمار مركز المدينة و اسواقها .
و أضاف : الغرفة تعمل جاهدة من أجل إعادة الحياة الى جميع المرافق الاقتصادية و التجارية لعودة عجلة الانتاج و تخفيض الاسعار و توفير السلعة ذات المواصفات الجيدة و السعر المقبول للمواطن و على التاجر في هذه المرحلة ان يقوم بتوفير السلع للمواطنين و تأمين انسيابها الطبيعي في السوق كونه هو الوسيط بين المستورد و المنتج و المستهلك الذي هو المواطن الذي يعاني من ارتفاع الاسعار بشكل جنوني أدى الى استهلاك المدخرات و المداخيل و انخفاض قدرة المواطنين على تلبية الاحتياجات المعيشية اليومية بشكل كبير .
أخيراً
أمام كل ما تقدم ينتظر المواطن من الجهات المعنية الإجابة عن سؤاله: الى متى يستطيع ان يبقى صامدا و يستمع الى تبريرات لا منطقية من قبل الجهات المعنية الى ما وصلنا اليه من حالة اقتصادية متردية فالمهم ليس بناء الحجر فقط بل الاهتمام بالوضع الاقتصادي المعيشي لهذا المواطن الذي ضحى بأغلى ما يملك لتبقى سورية حرة أبية .
تحقيق و تصوير : راسم الوعري