رسالة إلى أدبائنا الشّباب، من الجِنسَين:
«نصُّك النّثري أو الشّعري، أيّها المُبدع أيّتها المُبدعة، الذي يدبّجه قلمك الصَّبِيب: قلم النّاشف، أو الحبر، أو قلم الرّصاص الأريب، لا فرق، هو روحك وبوّابتك إلى القارىء المثابر، وربّما تكون أصابعك المنمنمة، هي «قلمك الإلكتروني» الحديث، كيلا تتّسخ أصابع يديك بالحبر، كما كانت الحال أيام زمان، قبل اختراع الحاسوب «الكمبيوتر»..
نصُّك النّثري أو الشّعري، الذي تكتبه بِمِداد الرّوح، لا بِمِدادٍ آخر، هو المرآة الصّقِيلة، وبقدر ما تكون الرّوح شفّافة، والقلب نقيّاً صادقاً مخلصاً، بقدر ما يأتي النصّ مواكباً لمقتضى الحال، وترجماناً حقيقياً، لما يدور في ذهنك، وما يعتمل داخل نفسك، من تطلّعات ورؤى وأحكام.. بهذا الصفاء الرّوحي، وهاتِهِ النّزاهة الفكرية، يستطيع أيّ كاتب – كاتبة /اجتذاب ذهن القارىء – القارئة/، لمتابعة هذه المادّة «النصّ»، وقراءتها بتمعّنٍ وانتعاش، وبرغبة عارمة في تلاوة المَغازِي والمضامين، التي انثالت عبر الأسطر والكلمات والجُمَل.. ولا يكتمِلنَّ هذا التأثير، إلّا إذا لاقت المادّة الصَّدى المطلوب، والاستجابة الأولى من هيئة تحرير الصحيفة أو المجلة، المراد نشرُ المادّة على صفحاتها، الورقية أو الإلكترونية، لا فرق! وكي تلاقي المادّة: «قصة، قصيدة، خاطرة، مقال، زاوية، عمود…»، الرّضا والقبول للنّشر، لا بدّ من توافر جملة من الشروط والآليات، والتركيز عليها، أوّلُها: خلوّ النصّ المُرسَل، من الأغْلاط النحوية والإملائية واللغوية الفادحة، وحتى المطبعيّة قدر الإمكان، وبالحدود التي لا تتجاوز فيه معيارَها الدّولي، باعتبارها «ملح الطباعة»! الغاية من هذا الاهتمام البادِي: عدم إفساد النصّ من جهة، وعدم تنفير «دائرة القرّاء الأولى» منه، أعني: (رئيس التّحرير، مدير التّحرير، سكرتير التّحرير، هيئة التّحرير، المحرّر، المُصحّح، والمدقّق اللغوي.. إلخ)، وبالمناسبة، «والشّيء بالشّيء يُذكَر»، فإنّ «التّدقيق اللغوي»، لا يتأتّى لكلّ مَنْ هَبَّ وَدَبَّ، ولا يُسْلِم قيادَه بسهولةٍ ويُسْرٍ لأيٍّ كان، فهذا العمل المهمّ والحسّاس، يحتاج إلى تخصّص وتدريب وخبرة ومِرَان، بمعنى أنْ يكون «المدقّق اللغوي» تمثيلاً، أحد المتخرّجين في كلية الآداب، قسم «اللغة العربية»، بإحدى الجامعات، وأنْ يكون ثانياً، قد مارس التدريس سنوات، ومُلِمّاً بكثيرٍ من المصطلحات اللغوية، وقواعد النّحو والإعراب والصّرف وفقه اللغة، التي لا يمكن تجاهلها أو تغييبها، وهاكُم أمثلة حيّة على ما يُقال في سياق الجُمَل: «زادَ منسوبُ الأمطار ببلدنا على»، و»نقصَ منسوبُ الأسعار ببلدنا عن»، ونقول: «استندَ إلى أخيه»، و»اعتمد على أخيه»، ونقول: «حضر المديرون كافّة»، و «تخرّج فلانٌ في الجامعة»، وليس «من الجامعة»، وهذا خطأ كثيراً ما يتكرّر بأقلام بعض الكتّاب، وسوى ذلك كثير.. ويدخل في هذا السّياق أيضاً علامات التّرقيم، والشدَّة، والتّنوين، وهمزات القطع، وهمزات الوصل، وضرورة استخدامها جميعاً دونما خطأ أو تجاهُل، ووضعها بأماكنها الصحيحة، بدقّة مُتناهية، لا بشكلٍ اعتباطيّ فوضويّ، كما يتراءى لنا، في كثيرٍ من صحفنا ومجلاتنا، والمراسلات الرّسمية.. فـ «تلك العلامات، تُعَدّ جزءاً عضويّاً من بِنْيَة المادّة الفنيّة»، لا بدّ من رعايتها، وعدم إهمالها، كما يحلو لعددٍ من الكتّاب والأدباء، والمدققين اللغويين فِعْلَ ذلك..إنّ أيّ نصّ أدبي، لا يمكن أنْ يحوزَ الرّضا التام، من «دائرة القرّاء الأولى»، ولا يمكن أنْ يستأثر بالاهتمام المنشود، إذا لم يقرؤه الكاتب/ الأديب أكثرَ من مرّة، قبل دَفْعِه للنّشر، ليرى ما فيه من هنّات وسقطات وهفوات، قَصْد تجاوزِها، قبل وصولها إلى أيدي «الدائرة المذكورة» وعيونها، ومن ثمّ يأتي دَوْرُ «قسم التّدقيق اللغوي» المنوط به أمرُ المراجعة والتّمحيص، وتصويب البوصلة، خاصّة ما يُنشَر في «الصفحة الثقافية»، وصفحة «الدّراسات»، أو الصفحة «السياسية»، أو»العمود الرئيسي»، أو «الافتتاحية»، أو «الصفحة الأخيرة»، كـ «تحيّة الصباح» تمثيلاً.. أيّها المُبدع/ أيّتها المُبدعة، أَجلْ نصُّك رُوحُك، اجعلْه بأبهى صورة، وأصدق تعبير، أمام عيون القرّاء وعقولهم، خِلْواً من الأخطاء قدر المستطاع، مُراعياً أبسط شروط التّنضيد السّليم، لوضع الألفاظ والجمل والعلامات في مواضعها الصّحيحة، ليبدوَ النص كلّاً موحّداً: بِنْيَة، وشكلاً، ومحتوى، «كما لو أنّه مُصَاغٌ بإبرةٍ من ذَهَبِ الرّوح والمشاعر والأفكار واللغة والخيال والصّدق».. نصُّك أيّها الكاتب الهُمام بوّابتُك إلى النّشر والانتشار والتأثير، وهذه البوّابة، هي «دائرة قرّائك الأولى»، بالجريدة والمجلة والمطبعة، إلى جانب الأقرباء والأصدقاء والزّملاء، فلنحرصْ على أنْ نقدّم للقارىء المثابر أفضل ما عندنا، بأجْلى صورة، وأحْلى تقديم، فلعلّ كتاباتِك، تلاقي الصّدى المطلوب، والنّتيجة المَرْجُوّة، لترسيخ اسمك ونِتاجك الكتابي والأدبي، في أفئدة القرّاء الأعزّاء، وعقولهم، ونفوسهم، الآن، وغداً، وفي القابل من الأيام..
وجيه حسن