منذ عدة أعوام بدأنا نلاحظ أنه ما أن يبدأ العام الدراسي إلا وينطلق الأهل للبحث عن مدرس جيد لإعطاء الدروس الخصوصية لأبنائهم فقد بات الدرس الخصوصي ضروريا,خاصة لطلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي ,ومما زاد من انتشار هذه الظاهرة هو المناهج الحديثة وارتفاع معدلات القبول الجامعي ,وهناك سبب أصبح معروفا وهو أن بعض المدرسين لا يشرحون الدروس في الصف كما يشرحونها في الدرس الخصوصي فبات كل شيء تجارياً والجميع يبحث عن المادة ,وكثير من الطلاب يضطرون للدروس الخصوصية ليس بالضرورة لأن مستواهم أقل من غيرهم بل لأن النجاح فقط لم يعد هدفاً بحد ذاته ,بل التفوق هو ما يطمح إليه الجميع ليتمكن الطالب من تحقيق حلمه وطموحه في دراسة الفرع الذي يريد في الجامعة , ونجد الجميع يتسابقون لاستقطاب أسماء معروفة من المدرسين المميزين لإعطائهم دروساً خصوصية مهما كانت تكلفة الدرس الواحد والتي أضحت مبالغ طائلة لدى البعض ,ولكن هذا الأمر ضروري وأساسي للتفوق ,إذ قد تشكل علامة واحدة فارقاً حقيقياً يتحكم في مستقبل الطالب ولكن الأمر اللافت للانتباه حديثا هو لجوء الطلاب إلى معاهد التقوية عوضاً عن الدروس الخصوصية ,وهذا في الواقع مدخل آخر لها ولكن تحت عنوان جديد ,مع الأخذ بعين الاعتبار إلى الفارق في السعر بشكل واضح بين الدروس الخصوصية وبين تلك المعاهد والتي أسعارها ليست بالقليلة أيضاً إلا أنها «أرحم » على حد تعبير الأهالي .
وقد أشار بعض الطلاب الذين التقيناهم أن هذه المعاهد تنتشر انتشارا واسعا في كافة الأحياء والعديد منها حتى ضمن الحي الواحد تحت عناوين وتسميات كثيرة تشير إلى المميزات الخاصة التي تتمتع بها « كالأسعار المناسبة والمدرسين المميزين وقدرة تلك المعاهد على التدريس والتحفيظ والتقوية ووو .
وهناك إقبال شديد على تلك المعاهد فنجد الطلاب ما إن يعودوا من مدارسهم حتى يتوجهون إليها ولا يعودون إلى منازلهم إلا في ساعات المساء ,بعد أن يكونوا قد أنهوا واجباتهم ودرسوا دروسهم .
معاهد التقوية أرخص
تقول فيحاء القاسم «ثانوي علمي» :إن المعاهد تؤدي نفس الدور الذي تقوم به الدروس الخصوصية ,فالمدرسون يعيدون شرح الدروس ,ويقومون بإيضاح كل فكرة غامضة بالنسبة للطلاب حتى يتم استيعابها من قبل الجميع ,ويتم التركيز على الفقرات المهمة والمتوقعة أن تأتي في الامتحان النهائي ,والفارق بين هذه المعاهد والدروس الخصوصية أنها أرخص ,والجميع يبحث عن الأرخص ,ولا نريد أن نحمل أهالينا تكاليف إضافية ,فالأسعار في كل ميادين الحياة ارتفعت وباتت مرهقة ,لذلك فإن الإقبال على المعاهد كبير نسبياً.
تحفيز وتشجيع
ثناء الخضر« ثانوي أدبي » تقول : بعد أن حصلت على شهادة التعليم الأساسي ,لم تخولني علاماتي بأن أدرس الثانوية العامة ,فقررت أن أقدم الثانوية العامة بشكل حر ,وبدلاً من الدروس الخصوصية وتكلفتها المرتفعة كون الوضع المادي لأهلي ليس بالجيد قررت أن أسجل في معهد للتقوية ,ويبدو أن قراري كان صائباً ,فالدروس تسير بشكل جيد وهناك تسميع ومتابعة حثيثة من قبل المدرسين والإدارة على حد سواء ,وفي الحقيقة إن المعهد الذي سجلت به يلتزم بالانضباط بكل معنى الكلمة ,فالدوام يبدأ من الصباح ولا ينتهي إلا في ساعات متأخرة من المساء»،فلا مجال للخروج إلا بعد أن يكون كل طالب قد أنهى جميع دروسه مع الحفظ والتركيز ,(ولكن هناك استراحة للطعام لمدة ساعتين في المنزل والعودة مباشرة للمعهد ) أضف إلى الدوام خلال أيام العطل فممنوع الغياب تحت طائلة المسؤولية ,وهناك تحفيز على التفوق بشكل كبير فقد خصصت جائزة مالية لمن يستطيع الإجابة على بعض الأسئلة بشكل صحيح وسريع دون تمهل,وقد نالتها إحدى الطالبات ,هذا كله من أجل تحفيزنا وتشجيعنا على الدراسة والتفوق .
رديف للمدارس
جهاد غميض مدرس مادتي الفيزياء والكيمياء قال : المعاهد الخاصة «التقوية» يجب أن تكون رديفاً للمدارس وليس بديلاً عنها .
وعن إقبال الطلاب للتسجيل فيها أشار إلى انه أمر نسبي ويختلف من معهد لآخر أي لا نستطيع أن نعمم على كل الطلاب فهناك معاهد فيها مستوى تعليم ممتاز ويعود ذلك لإدارة المعهد والكادر التدريسي ، كما يوجد معاهد أخرى ليست بالمستوى المطلوب..
أما عن مستوى وأسلوب المدرس وان كان يختلف بين المدرسة والمعهد فهذا أيضاً نسبي يتبع لكل مدرس وخبرته وضميره المهني .
و عن اكتفاء الطالب بما تقدمه المدرسة أشار إلى ،أنه يعود بالدرجة الأولى للأهل والطالب نفسه ولا أظن أن المدرسين بشكل عام مقصرون في عملهم فأنا أحمل الطالب والأهل هذه المسؤولية .
و أضاف :لا نستطيع التعميم على المعاهد فيما يخص مسألة الربح فهناك نوعان منها ما يقدم مستوى ممتاز تعليمياً ومنها ما هو تجاري .
عادة وموضة
فهيم سليمان مدير مدرسة حافظ المحمد أشار إلى أن ظاهرة انتشار معاهد التقوية تنامت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وأصبحت موضة وتفاخر وعادة لدى الطلاب لا يمكن الاستغناء عنها حيث يعتقد الطالب وذووه أن هذه المعاهد هي الحل الأمثل للنجاح والحصول على معدلات مرتفعة ، وحجة عدم قدرة المعلم على إفهام الطلاب للمنهاج غير صحيحة فكيف لا يمكنه ذلك في المدرسة وهو قادر في المعهد الخاص، والطالب يستوعب الدرس ويحفظه فورا ،ولكن قد لا يعي الأهل بعض المسائل التي تتعلق مثلا بعدم وجود مدرس متخصص في المادة العلمية وليس لديه خبرة بطبيعة الأسئلة، بالإضافة إلى أن التوقيت غير المناسب لهذه الدروس والتي تكون بعد الانتهاء من الدوام المدرسي ،مما ينعكس على الطالب بشكل سلبي ويسبب له الإرهاق والتعب وعدم التركيز ويصبح غير قادر على الاستيعاب لذلك فان المدرسة هي المكان الحقيقي لتلقي الطالب المعلومات منه والطالب الذي يداوم بشكل جيد في المدرسة ويتابع دروسه حتما سيحصد ثمرة تعبه..
وأضاف : لا يوجد أي تقصير من قبلنا ككادر تعليمي في مدرستنا والمدارس الأخرى تجاه الطلاب فنحن نشرح المنهاج بكل أمانة ،وبرأيي :يجب على الأهل عدم اللجوء لهذه المعاهد إلا إذا كان هناك حاجة ضرورية وبعد أن يحددوا جوانب الاحتياج عند أبنائهم ويركزوا عليها ،فهناك معاهد تضم معلمين غير مؤهلين أكاديميا والأهل لا يدركون أهمية هذا الجانب الذي ينعكس بشكل سلبي على أبنائهم ،إضافة لتوعية المجتمع بأبعاد هذا الموضوع.
تفادي التقصير
ويشير احد المدراء إلى أن الأهالي يلجؤون إلى تسجيل أبنائهم في معاهد التقوية لتفادي التقصير وتحسين مستوى الطالب في بعض المواد الدراسية إلا أنهم لا يعلمون شيئا عن مؤهلات المدرسين فيها ، ولا يتابعون أبناءهم دراسيا مما ينعكس سلبا أغلب الأحيان على الطالب ..
المهارات اللغوية
فيما أشارت والدة إحدى الطالبات إلى أن سبب إلحاقها لابنتها بمعهد هو لتقوية لغتها الإنكليزية، وتعلم المهارات اللغوية اللازمة مشيرة ً إلى أن الدروس ساعدتها في اكتساب الثقة على تحدث اللغة الإنكليزية، والاستماع إليها وقراءتها وكتابتها، و خاصة أنها تتلقى المعلومات من أفضل المعلمين المتمرسين والمؤهلين.
طابع ربحي
فيما أشار البعض إلى أن معاهد التقوية أصبحت تأخذ منحى ربحيا وهناك الكثير من الأهالي لمسوا ذلك من خلال عدم تحسن مستوى أبنائهم دراسيا رغم تكبدهم تكاليف مرتفعة ونوهوا إلى أن وجود مواقع التواصل والمنصات التعليمية، التي توفر محتويات تعليمية، وفيديوهات سهلت على الطالب الحصول على المعلومة وأصبح يستعيض عن هذه المعاهد في تبسيط الدروس وشرحها بطريقة سلسة تمكنه من استيعابها وفهمها بشكل سهل .
الهدف إنساني
المدرس أمجد الأحمد قال : وجود هذه المعاهد في مدينة حمص حديث,ومع ذلك انتشرت بشكل ملفت للانتباه وهناك إقبال شديد عليها ,وقد يكون للتنافس فيما بينها وإثبات كل معهد أنه الأفضل دوراً في تميز بعضها علما أن هناك تفاوتا بالأسعار بين معهد وآخر,وفي النهاية إن من يكسب هو الطالب .
مضيفا بأن بعض المعاهد هدفها إنساني وليس الربح المادي كالدروس الخصوصية وهذه المعاهد تجعل الالتزام متبادلا بين الطالب والمدرس بمواعيد محددة والتدريس والشرح لمجموعة بدلا من طالب واحد والشرح لأكثر من مرة , وقد يستفيد الطالب من ملاحظة أحد زملائه أو أي استفسار من قبل غيره .
محفزات جيدة
يوسف الحامد طالب في الثاني الثانوي أكد أنه كان في شهادة التعليم الأساسي لا يحب الدراسة في المنزل,ودائما يتلقى اللوم من أسرته لأنه مقصر في دراسته,فاقترح عليهم أن يلتحق بمعهد للتقوية ,وهذا ما حصل ,وقد تحسن مستواه الدراسي بصورة واضحة وبات يدرس ويحضر دروسه كون الإدارة كانت متشددة معهم ولا يسمح بالتراخي وكل من يقصر في دروسه يتعرض للتوبيخ الشديد,ولذلك كان الجميع ملتزمين ,ومن الممكن كون المعهد مختلط طلاب وطالبات أثر في عدم التقصير ,فكل طرف يخجل أن يتعرض للتوبيخ أمام الآخرين ,فهذا ما دفع الجميع لتحسين مستواهم ,وبعد الامتحان الأخير نجح نجاحاً جيدا لم يكن يتوقعه وقد كانت فرحته كبيرة .
الكثافة الطلابية
فيما أشار الطالب لؤي الحمد في المرحلة الإعدادية إلى أن صعوبة المناهج وضيق الوقت في الحصة الدراسية والكثافة الطلابية لا تسمح للمدرس أن يرد على جميع استفسارات الطلاب وإعادة الشرح لمن لم يستوعب الدرس .
هدى الخليل طالبة ثانوي تتابع دراستها في معاهد التقوية قالت : تتوفر في هذه المعاهد طرق تدريس مميزة ويتم فيها تبسيط المنهاج، وإعادة شرح الدروس بسهولة، وتبقى رسومها المادية أقل من أجور الدروس الخصوصية .
صعوبة المناهج
احد الآباء قال : نظراً لتغير المناهج وصعوبتها لم نعد نستطيع تدريس وشرح الدروس لأولادنا وخاصة المواد العلمية ،أما في المعهد تتم متابعة دراسة المنهاج بشكل كامل للطلاب ويقوم المدرسون بتحفيظ وشرح الدروس للطلاب بشكل يومي ..
وأضاف : معظم الأهالي غير قادرين على تسجيل أبنائهم في مدارس خاصة مع ارتفاع الأقساط لذلك فان هذه المعاهد حلت المشكلة خاصة للطلاب الذين لا يملكون القدرة المادية للتسجيل في المدارس الخاصة حيث تدرس هذه المعاهد الطلاب بمختلف الصفوف الدراسية وجميع المواد وأسعارها مناسبة.
دور مساعد
أحد أصحاب المعاهد الخاصة قال : لمعاهد المتابعة دور مساعد في تقوية الطلاب ولكن من الضروري أن يدرك الطلاب وأهاليهم أن المعاهد الخاصة لا يمكن أن تحل مكان المدارس العامة في متابعة وتحسين مستوى التحصيل العلمي للطالب في الغالب ..
أوضح مدير التربية بحمص أحمد الإبراهيم أن هناك ضابطة عدلية تقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق أصحاب المعاهد المخالفة والتي لم تحصل على الترخيص استناداً لأحكام المرسوم التشريعي رقم /55/لعام 2004 وتعليماته التنفيذية و والمرسوم رقم /35/لعام 2010 وبلاغ وزارة التربية رقم 1450/543 تاريخ 11/4/2011 ..
وأشار أنه يتم مخاطبة محافظة حمص للإيعاز لمن يلزم لإغلاق العقار المخالف لمدة /3/أشهر بالشمع الأحمر ويتم مخاطبة وزارة التربية بخصوص وضع هذه العقارات وتفرض بحق المخالف غرامة مالية بمبلغ وقدره /500000/ ألف ليرة بناء على أحكام المرسوم التشريعي رقم /7/ لعام 2017 .
موضحا : أنه تم تكليف موجهين اختصاصين لمتابعة عمل تلك المعاهد ودراسة واقع العمل فيها ، وفي حال المخالفة يتم تقديم كتاب للجنة التعليم الخاص لاتخاذ الإجراءات المناسبة ..
أما عن شروط الترخيص للمخبر اللغوي فقال : يجب أن يكون المخبر في طابق واحد أرضي أو قبو سكني ووجود ثلاث قاعات صفية على الأقل بحيث لا تقل مساحة الغرفة الصفية عن /20/ مترا مربعا بالإضافة إلى غرفتين إداريتين مناسبتين .
وضرورة توفر فسحة سماوية /فناء خارجي/ أو وجيبة لا يقل عرضها عن 3 م ويخصص للدارسة فيها مساحة لا تقل عن (0,5) م2 والمساحة المحددة للدارس في القاعة الدراسية لا تقل عن (1)م2والمساحة المحددة للدارس في الفناء الداخلي (البهو)لا تقل عن (0,5)م2 ..
وإذا كان المخبر ضمن بناء سكني ، وجب أن، يكون له مدخل خاص مستقل عن المدخل الرئيسي للبناء السكني وتجهيز إحدى الغرف المعتمدة بتجهيزات سمعية وبصرية وتوافر الإضاءة المباشرة والتهوية الطبيعية بالقاعات الدراسية ويجب ألا يقل ارتفاع السقف في الشعبة الصفية عن (2,7) م وتوافر أنظمة السلامة والحماية وتوافر دورات مياه خاصة للطلاب مع مراعاة فصل دورات الإناث عن الذكور وتوافر دورة مياه خاصة للإداريين والمدرسين ..
وأكد أنه يحظر على العاملين في وزارة التربية من (مدرسين أو معلمين أو إداريين أو موجهين تربويين أو موجهين اختصاصين أو موجهين أوائل )العمل في المخابر اللغوية وذلك استناداً إلى أحكام المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004 ..
وأضاف : بلغ عدد العقارات غير المرخصة والتي تم ضبطها منذ بداية العام الدراسي 2019 -2020 /22/عقاراً غير مرخصاً , وعدد المخابر اللغوية المرخصة(93) مخبراً وأنه تم استرداد مبلغ (13) مليون ليرة كتعويض مقابل الضرر ..
وبرأيه أن عادة التحاق الطلاب بمعاهد التقوية أصبحت موضة ومجالا لتنافس بعض الأسر فيما بينها ، إضافة للدور الذي يقوم به بعض المروجين لأهمية المعاهد ، علما أن التجربة أثبتت أن الطلاب الذين يدرسون بمدارس حكومية مستواهم التعليمي أفضل من الذين يدرسون في معاهد المتابعة ..
وأوضح أنه تم التأكيد على مديري المدارس بعدم السماح لأي طالب بمغادرة المدرسة تحت طائلة المسؤولية حتى ولو قام الأولياء بتبرير الخروج إلا في حالات المرض الموثقة طبيا ..
أخيراً
إن معاهد التقوية تؤدي نفس الغرض الذي تؤديه الدروس الخصوصية لكنها الأفضل كخيار لأنها وعلى حد تعبير الطلاب وذويهم أرخص بكثير ,ولكن السؤال هو :هل هذه المعاهد مرخصة أو مسموح ترخيصها من قبل وزارة التربية وما هي شروط ترخيصها ؟والمهم أن لا يكون الهدف من افتتاحها تجارياً بحتاً, فمن المؤسف أن يكون مستقبل أبنائنا يتاجر به من لا علاقة له بالعلم والتربية أساسا .
بشرى عنقة – هيا العلي