في ربيع العقد الثاني من القرن الواحد العشرين وكنت على ضجرٍ ألهو بلعبة الحروف الأثيرة عندي..وأجدني– وللشعراء جنونهم- قد احتفيت بالـ (ذال ) و(الزاي) ..وربما هي ضرب من جنون المخيّلة التي أتخمتها وقائع هي من الفظاعة ما لايقدر عقل نبيل على استيعابها ، من ارتكابات وجرائم بحق سورية الحبيبة وبحق إنسانها النبيل ومن أساطير وملاحم تبدعها دماء وبطولات جيش أسطوري يزود عن وجهها البديع وروحها السامية بما لايصدّقه العقل صبراً وافتداء..
وربّما هو طقسٌ من طقوس عشق اللغة ..أو من تموّجات طفولة الروح ، أو شيء من تداخل الذواكر منذ الضوء الأول حين انبثق من أول حرف اجترحته هذه الروح السورية العظيمة، حين تلوّن الحروف أثوابها القزحية بريشتها المبدعة، فيخضّب كلّ حرف هويته من لونٍ يشفّ أو يرفّ ، يلطف أو يكثف ، يرقّ فيهمس أو يوشوشُ، يزغرد ويرقص أو يصرخ ويدقّ..يتنهّد أو يئنّ أو تتموّج لطافته وكثافته بتموّج الوصال مع أُلاّفِه من الحروف بحسب مشيئة الكلمة وطقوس فصولها ، فيتمايل لينُ اللام بعريها العاجي لتلفّ ألقَ الألف، تحتضن لجينه..يتعانقان..أخذاً وردّاً ..جذباً وصدّاً..وجْداً وودّاً..فتتبرعم الميم حنّاءً وتنهّدات وجدٍ مكتومة مضمومة الشفاه..وصبابةٍ مموسقة على شفاه البوح..ويمتدّ أنين النون الوانية شفقاً مترف الحزن..مُدنَفَهُ..توقاً لنقطتها القريبة ..المتدلية قاب قوسين أو أدنى ..النقطة البعيدة..المستحيلة الوصول ..فتدركها سُمرة الرّاءِ الرشيقة ..تسحبها قليلاً من شفيف حزنها ..ترنّم لحن الكلمة فيسطع وهجُ السين ..ويبرق ذهب الذال يغري شبيهتها الزاي الأكثر سماحة ..فتضيئان بساتين الكلام لتؤدي اللغة رقصتها .
ولا أدري أي سرّ يلفّ ألَقَ الألف وخفّة الراء (ذالَ) آذار لتبرز بكامل زينتها وهي تؤرّخ لبزوغ الحياة ، وبهجة التجدد في دورة انبثاق الخلق في المرج والشجر والزهر والعطر ..وفي شذا العشب الطفل ..ونداوة بهجته يضحك للشمس ..في غناء زيز البساتين وزقزقة الزرازير..ونزق الجداول وزهو العناصر كلّها احتفاءً باستمرار الحياة التي تحاصرها إرادات الزوال ..
ولا أدري إن كانت مصادفةً زوغان الأعياد عن أزمنة الشهور لتزنّر (ذال) آذار وزهوره : فمن عيد المرأة إلى عيد المعلّم إلى عيد الأم..إلى…..وليت لزين الشباب الفارس النبيل .. الجندي السوري سادن الضوء كل حصّة الأعياد الآذارية ..
ما سرّها؟ أترى أن في زهو ذاله المضيئة كبزوغ فجر الخلق (روزنامة) تمنح لكل هؤلاء الأبطال والقادة المنتظرين حصّته من ضوء الوقت ؟
في آذار يزدهي بياض الأوراق بأشعار التبجيل..وتزهر الحناجر بأهازيج تليق بأصحاب العيد..فتغنّي للمرأة الخالقة أغنيتها الأزلية..,تدعوها لإصلاح مالم يُصلح بعد! وتنشد للأمّ أغنية العرفان على أنها نبع الحنان الثر..وكذلك للمعلّم حين ترفع العقيرة بقصائد تمتدح صبره وتفانيه..وتُزوّقُ احتراقه على أنه ذوبان شمعة تنير ظلمة الدروب..وتتغنى برسالته..والكثير الكثير من (قف للمعلّم وفّه التبجيلا).
تنتهي الأعياد بانتهاء زفّة النهار الممنوح ..وتبقى المرأة على حالها ترزح تحت أرزائها ..ووزر ظلمٍ لم يُرفع..لافي البيت ولا في الشارع ….ولا في مأزوم وجدان الذكورة وقانونها.. .ويبقى المعلّم ومن لفّ لفّه من قرناء القهر يقارع هذه القاف القفل ..كما يقارع كل كادح ..رازح …يدخل صفّه الذي لم يتغيّر منذ سنين وسط عالم مهووس بالتبدّل الدراماتيكي..ليس له من رأسمال في زمن السوق والرساميل سوى ماتبقّى له من قوّة جسده ..ومن زاد فكره ..وما يزخر به وجدانه الذي يكابد كي يضخّ به الحياة ..وهو يرزح تحت رزء نظام تعليمي راكد الحراك: مناهج ..,طرائق ..ووسائل ..و..و..
ذال آذار وزاي أزهاره تعبق بالأعياد نذوراً ..وتمسي تزاويق الزينات التي تزنّر وسطه نزيزاً في البصيرة ..وفي عالم مزحوم بالطنين ..محشو بالزعيق وقرقعة أعتى وأكبر مؤسسات دعاة حقوق الإنسان ..
غادة اليوسف