في عيدهم.. المعلمون بناة حقيقيون في الزمن الصعب… نشـر الفكـر التنويـري وبنـاء أجيـال تسهم فـي رفـع شـأن الوطـن وتطـوره
لا تقاس حضارة الأمم بتقدمها العمراني ورصيدها المالي إنما مقياسها الحضاري الحقيقي هو في حضارة الإنسان ومدى مساهمته في العمل الإبداعي والأخلاقي للارتقاء بالحضارة البشرية ، ومن هنا ينظر إلى مجال التعليم والكادر التعليمي كمؤشر حقيقي والمحرك الأساسي لعملية التطوير، فالمعلم هو تلك القدرة الهائلة والعظيمة القادرة على بناء الإنسان وتأسيس الأجيال القادمة ودوره الأزلي والتاريخي لا يمكن أن يمحى مهما تقدم الزمن وتطورت التكنولوجيا ،وبمناسبة عيد المعلم كان لجريدة العروبة جولة ميدانية التقينا بها بعض المعلمين والطلاب والأهالي للحديث عن دلالات هذا العيد ومعانيه بالنسبة لهم .
مع الطلاب
أكد لنا العديد من الطلاب الذين التقيناهم ، وهم في المرحلة الثانوية أن عيد المعلم مناسبة جميلة يحتفلون فيها بمدرسيهم الذين يبذلون جهودا مضاعفة و يقدمون لهم العلم والمعرفة ولاسيما مع المناهج المكثفة والصعبة إلى حد ما ، وهم يفتخرون بهم وهم الذين ألغوا الفكرة القديمة عن المعلم التقليدي الذي يحمل عصاه بشكل دائم ويهدد بها طلابه ، وعلى العكس تماما فقد أصبح معلم اليوم صديقا للطالب وقد يتناقشون معه في الكثير من الأمور العامة والخاصة .
أما تلاميذ المرحلة الابتدائية فهم مازالوا أكثر رهبة من شخصية المعلم وهم يعتبرونه بمثابة الأب الصارم الحازم ، ولكنهم يستمتعون بفكرة إحضار الهدية ويعتبرون عيد المعلم من الأيام المميزة ، ومازالت بعض المدارس تقيم الحفلات الجماعية المدرسية المصغرة للاحتفال بهذه المناسبة .
مع الأهالي
يؤكد محمد الرضوان أن المعلم ليس بحاجة لعيد للتذكير بعطائه فهو باني الأجيال وله كل الأيام لتقدير عمله المخلص والمتفاني ، ولكنه يعيب على بعض المعلمين إهمالهم وعدم تقديم المستوى المطلوب وتقصيرهم في التحضير وإعطاء الدروس مما يضطر الكثير من الأهالي للاستنجاد بالمدرس الخصوصي الذي يكون في أكثر الأحيان من المدرسة نفسها ، ولكن يفضل الطالب الدرس الخصوصي كونه يجتمع مع عدد قليل من الطلاب لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة ، مما يساهم في التركيز والاستيعاب أكثر ، ومناقشة المعلومات المقدمة تكون بأريحية أكبر.
إحدى الأمهات تحدثت بصراحة تامة فقالت : بالحقيقة في عيد المعلم أقدم الهدايا المناسبة لكل معلم كي يولي أهمية أكبر لأولادي الذين يدرسون في صفه ، ونحن لا نستطيع أن ننكر محبة بعض المعلمين من قبل طلابهم وتقديم الهدايا لهم كتعبير عن امتنانهم وتقديرهم لجهودهم ..
رمز التفاني
علي السكري « موجه تربوي» قال :عيد المعلم مناسبة عزيزة على قلوبنا لأنه يتوج تلك العلاقة مابين المعلم والتلميذ والتي عنوانها الاحترام والود وثمرتها العلم الذي يكرس لخدمة المجتمع وهذا لا يعني أن المعلم يحتاج إلى عيد كي يقوم بواجبه ولكنه رمز جميل لتقدير عمل هذا الإنسان الذي يؤدي رسالة عظيمة ..وخير دليل ما لمسناه من تفان وإخلاص والتزام بالدوام المدرسي في أحلك الأوقات وخاصة في المناطق التي كانت على تماس مع المجموعات الإرهابية ، وتعرض أهلها للقنص والتفجيرات وكم فقدت المدارس من معلميها شهداء وهم يقومون بواجبهم الوطني .
مادة « المشروع » صلة وصل
سجيعة القاسم – مديرة مدرسة تعليم أساسي حلقة أولى قالت : مع عيد المعلم نستذكر دائما الانجازات التي حققتها العملية التعليمية بجميع كوادرها ، ومع تغيير المناهج والتطورات التي أجريت عليها خضع جميع المعلمين لدورات تدريبية مكثفة ليكونوا قادرين على إيصال المعلومة للطالب بأبسط الطرق .
ومن الملفت منذ العام الماضي إدراج مادة « المشروع » في المنهاج كمادة تعليمية يحصل فيها الطالب على درجات ، وأهميتها في كونها صلة وصل اجتماعية ونفسية وتربوية ما بين الطالب والمدرس حيث يختار الطالب موضوعا في أي مجال يريده ، علوم ، لغة عربية ، رياضيات ، ويناقشه ضمن مجموعات صفية ويطرح الحلول والمشاكل التي تعترضه ، حيث يكون هذا المشروع بمثابة استخلاص تجربة ، وهو في المرحلة الابتدائية يكون على شكل أحرف وصور وجمل بسيطة ، أما في المرحلة الإعدادية والثانوية فيكون على شكل بحث علمي مما يساعد على التواصل الكبير ما بين الطالب ومدرسه .
استثمار في المستقبل
سميحة ديب – معلمة قالت : بعد ثلاثين عاماً من العمل والعطاء والبناء ، أشعر أن سعادتي لا تكتمل إلا عند رؤية طلابي وهم يدركون دورهم الكبير في بناء المجتمع ، ويحصدون النجاح لهم ولوطنهم ، وأتأكد أن تعب السنين لم يذهب هباء ، وما زرعته من علم ومعرفة في تلك العقول الصغيرة أثمر حضارة وبناء وخبرة وعملاً مفيداً ، فالتربية هي استثمار في المستقبل ولذلك من المهم والضروري أن نفكر بطرق جدية لتعزيز مكانة ودور المعلمين ، وإبقاء صورهم ناصعة ومكانتهم راقية ،من خلال العمل على صقل إمكاناتهم وتزويدهم بالمهارات بشكل دائم بما يناسب التطور الحاصل .
علاقة ترابط قوية
فاطمة حسن «مدرسة انكليزي » قالت : يجب أن تكون هناك علاقة مترابطة دائمة وقوية يسودها الحب والاحترام المتبادل بين الطالب والمعلم وبغير ذلك لا يمكن أن تنجح العملية التعليمية فالطالب إن لم يحب معلمه لن يستقبل المعلومة منه ،والمعلم إن لم يحب عمله وطالبه فإنه لن يستطيع إيصال المعلومة والمعرفة إليه . إنها أشبه بعلاقة روحية يشعر من خلالها المعلم بالفخر عندما ينجح طالبه ويتفوق ونستطيع القول إنه يقترب من العلاقة الأبوية أكثر من كونها علاقة مهنية .
وكما يقال المدرسة هي البيت الثاني والمعلم أو المعلمة هو الأب الثاني أو الأم الثانية فهو يتواصل معه نصف اليوم وباقي اليوم للأهل ، وهناك حقيقة ثابتة أن بعض المعلمين يعرفون مشاكل طلابهم أو مواهبهم أو أفكارهم أكثر من أهلهم الذين قد تشغلهم ظروف كثيرة عن متابعة أبنائهم كعملهم خارج المنزل .
أعلى درجات التفاني
بشرى محمد « مدرسة لغة عربية» قالت : لم يغب دور المعلم يوماً فهو رمز من رموز النهوض بالمجتمع طالما أنه يعمل على بناء الإنسان ..
نحن اليوم بحاجة للمعلم الذي يملك أعلى درجات التفاني والإخلاص والمحبة كي يعيد ترميم النفوس المنكسرة ويرتقي بفكر هذا الجيل الذي تأثر بسبب الحرب ، وعلى المعلم أن يستعيد دوره التاريخي الذي تحاول سرقته التكنولوجيا الحديثة والمتمثلة بالانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هذه المهمة من أصعب المهام.ِ
اختلاف النظرة
فادي هاشم الديبة – مدرس لغة عربية قال :لقد اختلفت النظرة إلى المعلم بين الماضي والحاضر ، ونأمل أن يكون للإجراء الذي قامت به وزارة التربية في العام الماضي بتحديد مراكز الامتحان في المدينة حصرا وتشديد المراقبة نتائجه الواضحة في هذه السنة والسنوات المقبلة وكل عام وأنتم والمعلمين جميعهم بألف خير .
حنان بدر «معلمة» قالت : إن بإمكان المعلمون فعل ما لا يستطيع الملوك و أباطرة المال فعله ، لأنهم يعملون على صناعة الإنسان و صقل الروح و العقل ، و يكون لهم في روح وعقل كل واحد من طلابهم مكانة و بصمة و تأثير لا يمحى .
تحسين جودة التعليم
نبيل الحسن «مدرس رياضيات » قال : تكريم المعلم لم يأت عن عبث فهو يشكل إحدى أهم أدوات النهضة لدى أية أمة من الأمم، نظراً للرسالة الإنسانية والحضارية التي يحملها في بناء العقول والنهوض بالمجتمع.
وإذا كان المطلوب اليوم، هو تحسين جودة التعليم، فإن المعلم هو العنصر الأول، والأكثر تأثيراً في تحسين أحوال التعليم، فنوعية أي نظام تعليمي تعتمد بالدرجة الأولى على نوعية أداء المعلمين، ومن هنا لا بد من تحسين أوضاعهم، والاهتمام بهم من أجل تحقيق تعليم جيد، وصولاً لتحقيق منظومة تعليمية معاصرة، تلبي حاجة المجتمع.
ولتحقيق ذلك، لا بد من تشخيص مشكلات المعلم، وفق رؤية علمية، وإيجاد الحلول الممكنة لها، ولعل أهمها موضوع زيادة الأجور لتتناسب مع تكاليف المعيشة، والتي لم تعد تلبي الحاجات الأساسية اليومية، الأمر الذي يؤدي إلى عزوف بعض المعلمين في أيام الدوام الرسمي عن المدرسة، للالتحاق بالدروس الخصوصية، وذلك لتلبية متطلبات الحياة اليومية، مما يسبب تراجع العملية التعليمية..
أيضا زيادة أجور الوكلاء، وساعات المكلفين من خارج الملاك، بالإضافة إلى زيادة أجور ساعات العمل الإضافي، وتسوية أوضاع المدارس التي تعاني من نقص المدرسين من داخل الملاك، بحيث تصبح الحاجة الفعلية من المعلمين في المدارس مؤمنة، من ناحية العدد، والاختصاص، وبما يتناسب مع عدد الطلاب والشعب الصفية في كل منها.
استعادة الهيبة والاحترام
سميرة عبدو « مدرسة لغة انكليزية» قالت : من القضايا الهامة التي يتم تداولها من قبل بعض المعلمين هي قضية هيبة المعلم واحترامه بشكل عام، ولعل الاستثناءات الموجودة تثبت القاعدة ولا تنفيها، خاصة في ظل ثقافة الاستهلاك، التي غزت عقول وأفئدة الطلاب، وحتى ذويهم، وعدم إيلاء الاهتمام الكافي بالمعلمين ودورهم الوظيفي والهام، اجتماعياً ومعرفياً وعلمياً وحضارياً، وذلك لعدم وجود نصوص وتعليمات تمنح الحصانة الكافية للمعلم ودوره، على مستوى بناء الإنسان ونهضة الأوطان، ولعدم تصدي الجهات المعنية لمثل هذه السلوكيات، التي يدفع المجتمع ضريبتها يوماً بعد يوم.
بناء الإنسان
محمد خضر السلامة رئيس مكتب التنظيم في فرع نقابة معلمي حمص قال :القائد المؤسس حافظ الأسد قال: «أنتم أيها الإخوة المعلمون الأساس في ربط الإنسان بأرضه ووطنه أنتم الأساس في تخليص الإنسان من رواسب التخلف أنتم الأساس في تلقين أطفالنا وشبابنا بديهية حب الوطن والدفاع عنه ضد أعدائه أنتم الأساس في بناء العقل والعقل محور الحياة» .
فمن هذه المقولة يكون الدور الأهم للمعلم هو بناء شخصية متكاملة معرفياً و علمياً و أخلاقياً و وطنياً لدى طلابه و تلامذته و ذلك من خلال غرس القيم السامية لديهم و كيف لا يكون هذا و المعلمون « بناة حقيقيون لأنهم يبنون الإنسان» .
حس الانتماء للوطن
وأضاف : حس الانتماء للوطن يضفي على نفس الفرد الاطمئنان والاستقرار، وفقدان هذا الحس يؤثر على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للوطن، وبالتالي فإن عمل المعلم على المساهمة بشكل فعال بالتربية والتنشئة على الانتماء للوطن و نبذ الفكر التكفيري الوهابي هام وضروري ،لأنه الأقدر على التأثير في عقول الناشئة، فتعتبر مرحلة الطفولة و الشباب من أهم المراحل لغرس المفاهيم والمعارف والقيم، وخاصة المتعلقة بحب الوطن و الانتماء إليه، وذلك لأن ترسيخها يتم في مرحلة الطفولة، وتنشئة الطفل عليها يجعلها عنصراً مكوناً في بناء شخصيته.
وأضاف : إن التصدي للفكر التكفيري التدميري يتم من خلال غرس قيم المواطنة، وللمعلم والمدرسة الدور الكبير في غرس وبناء قيم صالحة تقوم على بلورة قيم المواطنة الحقة من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية التربوية التي تسعى إلى تحقيقها الدولة من خلال العمل المكثف والجهود المتواصلة من أجل ترسيخ قيم التعاون والتضامن والمشاركة الفاعلة، كما تظهر في العلاقات التربوية بين أبنائنا والمربين، بحيث تجعل من المدرسة والتعليم والتربية والإعلام فرصة توفر لهم جواً من مشاعر التعاون والتضامن والتكامل.
إعادة الإعمار
وتابع حديثه قائلاً : السيد الرئيس بشار الأسد يقول : « ليس هناك عملية تطوير حقيقية من غير المعلمين فهم أصحاب الفضل فيما يحصل من تطوير في سورية في كثير من المجالات » .
فإعمار الحجر أسهل بكثير من إعمار العقول و بنائها بناءً علمياً وطنياً بنَّاءً لا هدَّاماً، و بناء العقول يقع على عاتق المعلم لأنه الأقدر على ذلك من خلال المعلومة و النصيحة الأبوية و التوجيه الصحيح لحب الوطن و التفاني في خدمته و المساهمة الفاعلة في إعادة إعمار ما دمره الإرهاب التكفيري خلال سنوات الحرب التي مضت ،فالمعلم هو الشريك الدائم في أي تطور يحصل فهو صاحب اللبنة الأولى في بناء الحضارة و التميز من خلال طلابه و تلاميذه فنحن بحاجة لإعادة الإعمار إلى المهندس و الفني و العامل و غيرهم و جميع هؤلاء ،المعلم هو من قدم لهم المعرفة و العلم …
هموم .. رؤى لتطوير العملية التعليمية
وأشار إلى أن القطاع التربوي من القطاعات الاستراتيجية الهامة، التي شكلت تاريخياً رافعة حقيقية، أسهمت بصورة قوية وفاعلة في عملية النهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي في سورية. و هذا القطاع الهام تعرض خلال سنوات الحرب التسع الماضية للعديد من الاعتداءات التي انعكست سلباً عليها و أولها و أهمها الاعتداء على زملاء لنا ارتقوا شهداء في مدارسهم أو في طريقهم إلى أماكن عملهم ، و على الرغم من ذلك ما انقطعت مدارسنا عن الدوام فكان الزملاء و طلابهم يرفعون آثار الاعتداء على مدار سهم و يعودون لتقديم عصارة فكرهم و علمهم لبناء الطلاب، و خلال هذه السنوات قامت وزارة التربية بتعديل المناهج في معظم المراحل التعليمية وفق أنماط تعليم متطورة و لكن لا توجد لها أرضية للتنفيذ في الصفوف الدرسية بسبب الازدحام الشديد للطلاب حيث يصل العدد أحياناً إلى /65/ طالبا أو تلميذا في الشعبة الواحدة إضافة إلى تخريب بعض المدارس و سرقة مخابرها العلمية و أجهزة الحاسوب ،و في هذا العام كان لافتتاح العديد من المدارس في المناطق المحررة الأثر الإيجابي على العملية التعليمية و تخفيف الازدحام نسبياً في بعض المدارس.
صعوبات العمل
في فترة الحرب على بلدنا الحبيب ظهرت العديد من الممارسات و السلوكيات لدى بعض الطلاب و للأسف بعض الأهالي أيضاً تجاه الزملاء المدرسين حيث تعرض بعض الزملاء لإهانات مباشرة من الطلاب أو ذويهم و دائماً يكون الحلقة الأضعف هو المعلم و بصفة النقابة كمدافع عن الزملاء المعلمين نقترح مراجعة بعض القرارات التي صدرت في السنوات السابقة لإعادة العملية التربوية و التعليمية إلى وضعها الصحيح منها : إعادة التشدد باللباس المدرسي – المظهر العام للطالب – فتح أبواب المدارس دائماً أمام الطالب المتأخر عن الدوام – السماح للطالب بإدخال هاتفه الجوال إلى المدرسة ……. و غيرها .
أخيراً
وختاما نقول :في هذا اليوم وكل يوم نشيد بعظمة الأمانة التي يحملها المعلمون وهي بناء الفكر الصحيح المتنور فهم شعلة قدسية تهدي العقول إلى النهج الصحيح والسبيل القويم، وما من حضارة في الكون إلا وكانت من ضياء معلم .
مبارك لنا جميعاً الانتصارات التي يحققها جيشنا البطل بحكمة المعلم الأول السيد الرئيس بشار الأسد و كل عام وأنتم والوطن وقائد الوطن بألف خير.
منار الناعمة – بشرى عنقة