” من لا يجود لك , يجود لغيرك ” هي مقولة إجرائية , وسيلية التعبير , بسيطة الأداء . لكنها تنضوي على حيثيات نفسية تقارب أنماطاً متشابهة تغوص في أعماق الخصوصيات التفصيلية لمجمل المتقاربات بين الناس , فيكون التقارب والتلاقي , والإحساس بالرضا وتتالياً تتشكل بعض قناعات ترسم صوراً تعكس مساحة من التقارب على خلاف عدمه بين شخص و آخر إذا ما كانت بعض إرهاصات تتوافق بين شخصين فلا يكون ذاك التواصل حاضراً , ومرجعية ذلك يعود إلى بعض الخصائص النمائية ما بين فطرية ومكتسبة وطبع وطباع تعود في حكاياتها إلى طبيعة النفس البشرية في ذاتها و إلى حضور ذلك واقعاً سلوكياً في مصطلحات علم التربية حيث ” الفروق الفردية ” ولعلنا نقرأ بعض عبارات تقص عمق التوافق على شاكلة ” وافق شن طبقه ” .
إن الفكرة في عمقها المعرفي والنفسي في آن معاً أكثر اتساعاً من تقميش عبارات , تنبسط لها وعنها مفردات تعبيرية لأن ذلك مركون في طبيعة النفس وخصوصيتها طبعاً وجبلة .
فالطبع في دلالة المعجم : السجية والخليقة التي جُبل عليها الإنسان . وهي في علم النفس : مجموعة مظاهر الشعور والسلوك المكتسبة والموروثة التي تميز فرداً من آخر , لأن الطبع في مقولته الفلسفية هو المجمل الكلي لسمات الإنسان العقلية التي تعتمد على نشاطه وظروف حياته , والتي تظهر في أفعاله أيضاً , وواقع الكيفية التي يسلك دروب الحياة مواقف حياتية ورؤى حوارية , ومدى انعكاس ذلك على واقع معيش مقيد جراء ضيق في طبع وهوى في فقر التجربة أو يتراءى واقعاً يتساوق صعوداً عبر تسام في انبساط خير , وغنى نفس تتبدى على محيا صاحبه أسارير الفرح المفعم بالطلاقة الحياتية والطاقة الإيجابية , والثقة بالنفس والثراء الفعال في التوافق والتعاضد ضمن الاغتباط الجمالي في الوعي الإنساني المتحضر والسعادة الاجتماعية المتناغمة سعة خير لأن الطبع في أصله خصيصة نفسية ” سيكولوجية ” اجتماعية بما تختزن من نظرة شمولية للحياة , من غير أن تخلو من نزوع ذاتي مهما اكتسبت من معرفة وخبرة وازدهت بمبادئ عقلية , فإن قوة الطبع تزداد متانة عبر مؤشرات أداء يحكمها عمر عقلي لا زماني يتجاوز فيه المنطوق الجدلي في كل فكرة ذاك العمر الزمني ضمن غنى القيمة المضافة التي يجسدها الاستشراف حيث العمر العقلي فتكون القراءة حيال أي أمر أو سلوك أقرب للحكمة وللمنطق من بعض انزياحات بمشاعر أو أحاسيس .
إن خفايا القراءات النفسية للطبيعة البشرية ما بين ماهيتها فكرة , وواقعها سلوكاً إنما تبدي لحصافة كل مدرك كيف يقارب كل أمر وصاحبه بمزيد من التروي انطلاقاً من ذاك الاستشراف العقلي , وفهماً لذاك التدرج في الفروق والطباع فيكون التراحم ثقافة وعي جمالي يتغير أهدافه غايات إنسانية , نفح طيبها لقاء الإنسان بالإنسان .
لكن ما أقسى أن يضيع شيء من الحقل المعجمي لمفهوم الزمان لحظة أو برهة .. جراء انكماش في سلوك وتسرع في فهم أو استهلاك امرئ لذاته في لحظة نشوة من استقواء , أياً كان نوعها مادية أو معنوية في تجاوز غيره , ولا سيما إذا كان زاده مؤونة إبداعات عقوداً فعقود عبر أنماط يتحيل ذاك المستقوي فرصاً متخذاً من التسلل طرقاً يتوهم ذكاؤه فيها من غير أن يربح قيمة في ثوابت القيم , ولربما يحتفي بمكاسب عابرة مسلعة إلى حين عبر ذاك الاستقواء العابر !
ما أجمل الإنسان في طبع الإنسان المفطور على الخير والمزدان جمالاً بذاته وغيره في حفاوة كل جمال يتقد منارات في عقل ويصطلي مجامر في وجدان فيربح الزمان والحياة والإنسان و أصالة النبل في مكارم الأخلاق حيث تقدير الذات ونطح كل عرق على جبين الطالعين مع حروف الحياة في كل ميدان نجاحات !
نزار بدّور