بعد أن سقطت الغابة من قيود تفكيرنا جهلاً واستكباراً كان علينا أن نعاني حتماً من كابوس الحرائق المرعب الذي استفقنا عليه مؤخراً وهو يحرق قلوبنا قبل أشجارنا .
وبعيداً عن جفاف أسلوب الوعظ والإرشاد وتجاوزاً للدروس الإعدادية عن فوائد الغابة التي باتت معروفة للجميع فقد تغنى الشعراء العرب القدامى بالصحراء والأنهار والعيون المكحولة, والفرس والناقة , لكنهم لم يعرفوا ما يمكن أن نسميه ( أدب الغابة) إلا في العصور الحديثة حيث نظروا إليها من الناحية الرومانسية والفلسفية دون أي اعتبار للناحية البيئية أو الاقتصادية ذلك لأن الغابات في الوطن العربي لا تمثل أكثر من واحد في المائة من غابات العالم .
وفي مناطق جغرافية أخرى من العالم تبدو الغابة حقيقة ماثلة ومصدر رزق هام ونشاطاً اقتصادياً واسعاً , بل هي الأساس لتغيرات مناخية أفضل بعد أن أصبح التلوث يهدد البشرية , وباتت الغازات التي تزيد من حرارة الأرض خطراً يتوقع معه العلماء أن يكون هو الخطر الداهم .
الغابة هناك بعيداً عن عالمنا العربي حقيقة مادية كبرى, فهي تحتل ثلاثين بالمائة من مساحة اليابسة , وهذه النسبة التي كانت ثابتة طوال القرن العشرين بدأت تهتز في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين لأن الإنسان والحيوان والآفات والتصحر وأخيراً الحرائق العفوية والمتعمدة , كل ذلك يلتهم أجزاء واسعة من الغابات , وبما يهدد بتغير في البيئة كما يهدد التنوع البيولوجي بسبب الحرائق بحوالي أربعين مليار دولار .
والغابات تحكمها حقائق أساسية , فقد ظلت صناعة الأخشاب هي الأساس في بناء الحضارة الإنسانية متضافرة في ذلك مع المعادن وكانت تلك الأخشاب المنزل والقارب والسفينة والأثاث والرجل الثالثة للمسن ( العكاز ) وفي فترة تالية ومع اختراع الورق باتت الشجرة هي أساس الكتاب والصحيفة والناقل للمعرفة والعلم .
والذين يعيشون في الغابة يعرفون ثمارها غذاءً لهم ولحيواناتهم وأخشابها وقوداً للتدفئة وطهي الطعام ، وتتقدم الغابات كخط دفاع أول لتصلح ما يفسده دخان المصانع ، فتمتص الكربون السام وتطلق الأوكسجين المفيد من خلال غطاء نباتي حراجي ، يعتبر وسيلة العلاج الطبيعي للبحث عن مناخ وهواء أكثر نقاءً عن طريق شجرة باسقة ومرج أخضر .
إن القرن الحالي سيشهد أسرع تغيير في نظم البيئة بسبب مضاعفة تركيز ثاني أوكسيد الكربون واتساع ثقب الأوزون ونقص هطول الأمطار وارتفاع مستوى سطح مياه البحار المالحة كل ذلك بسبب القطع الإجرامي لأشجار الغابة ، وكان لا بد من ابتداع وسائل جديدة للتصدي لهذه الكوارث الوشيكة من بينها : الحفاظ على الغابات .
لقد باتت الأخطار تتهدد الغابات نفسها وذلك من خلال الاستيلاء عليها من جانب بعض الأفراد ، ونقلها إلى نطاق الملكية الخاصة وتحويل مساحاتها للزراعة أو الرعي أو بيعها لشركات الأخشاب ومن ثم بناء المنازل للتجارة والمضاربة .
إن الغابات أماكن عامة وهنا يبرز دور المجتمع الذي يمكن أن يقدم الرعاية والحماية لها ويربح دخلاً وفرص عمل ومواد غذائية تنتجها ، ونحن كبشر في أمس الحاجة إليها ، ويشارك الدولة في التخطيط والتنفيذ والإشراف والحراسة للحفاظ عليها ويجب ألا نكتفي بذلك بل يجب أن نضيف مساحات جديدة ، وذلك لمنع مصادرة مستقبل البشرية حين نفتقد هواءً نظيفاً ومياهاً عذبةً فلا نجدهما لأن الغابة كالنهر والبحر والزرع مصدر حياة رئيسي لا تخطئه العين أبداً .
نزيه شاهين ضاحي