سألني صديق متابع لما أنشره بعنوان ” من الذّاكرة” هل كنتَ في دراستك مُجدّاً كما أنت في الكتابة ؟!!
لهذا الصديق أقول سأسرد عليك ما كنتُ عليه، غير خَجِل، ولا متردّد، وأنت تسألني وقد تكون في عمر أحفادي، فأجيب احتراماً لآداب التّواصل…
يا صديقي لم أكن مجدّاً في دراستي، وكان كلّ همّي أن أنجح، بأيّة درجة ، وهكذا نجحتُ في مرحلة الدراسة الابتدائيّة، وكانت تُعطى لمن يُنهيها شهادة تُسمى ( السرتفيكا)، كيف نجحتُ لا أعرف، المهمّ أنّي لم أرسب، وفي شهادة إتمام المرحلة الإعدادية ( البروفيه)، وكانت أسماء النّاجحين في أنحاء القطر تُذاع من إذاعة دمشق، ولم يكن لدينا مذياع،.. ذهبتُ لبيت صديق فيه مذياع، وكان قلبي على حافّة بئر مظلِم عميق، وحين لُفظ اسمي، بقيتُ فترة أشعر أنّي لا أقوى على الوقوف، وكانت شهادة تؤهّل لبعض وظائف الدولة، وكان ذلك في العام الدراسي 1953-1954، وتقدّمتُ لمسابقة معلِّم ابتدائي ونجحت، وعيّنتُ في حلب، ووقفتُ مع الذين ينتظرون معرفة أماكن تعيينهم، وعُيّنتُ في قرية ” أمّْ عْدَسَة” التابعة لمنطقة “الباب”، وقبل أن أُنهي قراءة القرار سمعتُ مَن ينادي باسمي على باب مدير التربية، فتقدّمتُ منه، وقلت أنا فلان، فقال مدير التربية يريدك، توجّستُ خوفاً، لماذا أنا من بين كلّ هذا الحشد، ووقفت أمام طاولته فقال لي بوجه جامد:” أين قرار تعيينك”، فناولتُه إياه، فأخذه وتابع:” أنت ليس لك تعيين”، انفتحتْ هوّة كبيرة شديدة السواد، قلت :” لماذا أستاذ”؟!! قال:” اسأل الجهات التي رفضتْ تعيينك”، وخرجتُ بخفيّ كآبة، ولم تُؤخذ مسابقتنا السابقة في الحُسبان، فتقدّمت في المسابقة التالية، ونجحت، وعيّنتُ في مدينة ” منبج” وكانت بلدة صغيرة، وقد أفضْتُ في ذكر تلك المرحلة في كتابي ” مدارات – 1- سيرة زمن- طباعة وزارة الثقافة – دمشق 2006، وكنّا جيلا من الحالمين، المؤمنين، فأخذني العمل الحزبيّ، فأدرتُ ظهري للدراسة، وأنا أصلا لا أحبّها، رغم أني قد أجلس على كتاب يعجبني ساعات، وتخلّل ذلك أداء خدمة العلم لمدّة سنتين، وعدتُ لمنبج، وقامت أعراس الوحدة بين دمشق والقاهرة عام 1958، ونُقِلتُ إلى بلدة ” خان شيخون” عام 1959، وكانت تابعة لحلب، وحلَّتْ بعض الأحزاب نفسها، وهذا ما فعلتْه قيادة حزب البعث آنذاك،- وحُلّتْ الأحزاب الأخرى بإلغائها،- رغم اعتراضات قُدّمَت من بعض القواعد التي لم يردّ أحد عليها، ووجدتُ نفسي في حالة من الفراغ، فقررّتُ أن أعود لدراسة الشهادة الثانويّة بعد انقطاع أربع سنوات، فأحضرتُ الكتب المقرّرة، وكنتُ أرهب الرياضيات، واللغة الانكليزيّة، فراهنتُ على أنّه يأتي عادة سؤال عن تاريخ الرياضيات، وعليه ثمان علامات، وهذا يعني أنني أحتاج لسبع علامات في اللغة الإنكليزية، وكانت العلامة تحسب من مئة، أي أحصل على ما يؤهّلني للنجاح، وكنتُ جادّاً في الدراسة، وحين عدتُ لحمص مع بداية العطلة الصيفيّة للمدارس، فُوجئت أنّ منهاج اللغة الإنكليزية الذي حضَرتُه، وتعبتُ فيه قد تغيّر بالكامل، وتقدّمت للفحص، وكم كان أسفي عميقا وجارحا حين وجدتُ أنني جمعتُ في كلّ من الرياضيات والإنكليزي أربع عشرة علامة، وتوقّف نجاحي على علامة واحدة، وكان أوّل رسوب في الدراسة في حياتي، وفي العام التالي تغيّر المنهاج، وصارت العلامة من عشرين، فاجتهدتُ في الرياضيات، هذه المادة التي لم أستطع أن أحبّها، بل أنا لا علاقة لي بلغة الأرقام، لماذا لا أعلم، وقد ذكرت في زوايا سابقة أنّني أتذكّر تاريخ ميلاد أبنائي بصعوبة، وتقاعدتُ من الوظيفة وأنا لا أعرف مقدار راتبي، وكنتُ أذهب إلى المحاسب فأتناول منه ما يعطيني إيّاه دون أيّ تدقيق، بينما كان لي زملاء يعرفون مقدار راتبهم حتى بالقروش، وأنا حتى الآن لا أعرف مقدار راتبي التقاعدي، وقبل أيام طلبتُ من ابني أن يسأل عن مقدار راتبي…..
وللحديث بقيّة…
عبد الكريم النّاعم