قصة قصيرة… نظرَ البحر .. قالَ الجبل !

بيومٍ شتائيّ عاصف، تحاوَرَا.. بتأمّلٍ أسطوريّ، بلِ استعلائيٍّ، رَنَا أحدهما للآخر، نطق الجبلُ مُداعِباً البحرَ أمامه:
«جاري العزيز، ألمْ تتعبْ موجاتك من لعبة المدّ والجَزْر، من آلاف السّنين؟ لِمَ كلّ هذا التّعب؟ ماذا جَنَيْتَ مِنْ هذا العمل المُضنِي»؟!
نظر البحر إلى الجبل نظرة مشُوبة ببعضٍ منِ امتعاض:
«.. وأنتَ أيّها الجارُ العتيد، ألمْ تتعبْ قدماك من الوقوف كلّ هذه السّنين؟ ماذا كانت النتيجة»؟!
مُتطاوسِاً تشامخَ الجبل، هزَّ عِطْفَيه بزهوٍ، نطقَ بصوتٍ جبليّ خشِن:
– «.. ألا تدري أيّها المتجاهل، أنّني أنا الكبرياء، والشّموخ؟ ألا ترى عيناك الزّرقاوان الحاسِدَتان قامتي الشمّاء، وبدنيَ المُتشامخ الضّخم؟ لذا فإنَّ الكثيرين يرهبونني، وأنتَ – بلا شك – واحدٌ منهم»!
باعتدادٍ مماثلٍ ردّ البحر، بعد أنِ انتفضَ سيلٌ من موجاته الغاضبة، معلنة عن استيائها:
– «.. أنسيتَ أيّها الجارُ المُتصابِي، أنَّ لي غَوْرَاً عميقاً، لا يقلُّ شموخاً عن شموخك، فأنا – بلا مبالغة – لستُ سطحيّاً أو هامشيّاً، كما تظنّ، وكما يدّعي المدّعون المُرْجِفون! ألا تعرف أنّ أغواري، تخيفُ أعتَى السّفن، وأقوى السبّاحين»؟!
هزّ الجبل المتشامخ ذروةَ قمّته، مُعبّراً عن انزعاجٍ باصِمٍ.. بثقة عالية، قال:
– «.. هل نسيتَ، أو تناسَيتَ، أيّها البحر الهائج، الأرْعن، أنّ في بطني كنوزاً من معادنَ غالية، وثرواتٍ طبيعية، لا يعلم قيمة أثمانها إلّا الله، والرّاسِخون في معرفة أسرارِ الجبال ..»؟!
ساخراً، مدَّ البحرُ ألسنة موجاتِهِ، نبسَ:
– «كلامُك هُرَاء يا صاحبي، لأنّك تعامَيت عمّا في جوفي من كنوز ولآلئ بَحْرِيّة، يبحث عنها الصيّادون والمُكتشفون المَهَرة، ليبيعوها في أرجاء المعمورة، بأغلى الأثمان»…
ظهرت معالمُ ضجرٍ وَضِيءٍ على وجه الجبل، نطقَ بشيءٍ غفيرٍ من صلفٍ واعتداد:
– «أيّها البحر، لكَ أعماقك، ولِي شموخي وتطاوُلي، الصفة التي تميّزني عنك، والتي تريح أعصابي، أنّني أطلُّ عليكَ منْ عَلٍ، وأنت ممتدّ أمام بصري، تحت السيطرة، أراقبُ بدقة كلّ حركاتك وسكناتك، فأنا العلوّ، وأنتَ المُنْحَدَر، أنا الشموخُ وأنتَ السّفح»…
بألمٍ مُمِضٍّ نظر البحر، تدافعت كتلُ أمواجه، تلطم أقدامَ الجبل، ومُنعرَجاتِ سفحِهِ، تعبيراً عن قهرٍ واضح، لكنّه باعتدادٍ وكبرياء غَفيرَين، قال:
– «.. لا تنسَ أيّها الجار المُتعالِي، أنّ السماء تكرمني أشهراً عدّة بالسنة، حين تضيف لموجاتي موجاتٍ جديداتٍ، ثمّ أنسيتَ – أيّها المُتغافل المُتغابِي – أّنّ السماءَ المِعطاء، تجودُ عليَّ أوّلاً بمطرِها العميم، تعبيراً عنْ حبّها واعتزازها، أمّا أنت، فتأتي بالمرتبة التالية، قلْ لي، أليس السّحابُ الماطرُ، يدلّلني أكثر»؟!
ردّ الجبل، وسيوفُ قهرٍ تتعاورُه:
– «.. أنسيتَ أيّها البحر المُعانِد، أنَّ جسدي يستقبل قبلَكَ المطرَ الطاهر الوفير، وأنّ ماءَ السّماء، هو لكَ ولي ولِغيرِنا من الكائنات الحيّة.. أنا تخضوضِرُ صورتي، حين تهبنُا السّماءُ خيراتِها، ومطرَها الغزير.. أنتَ لا تعترف، أنّني، حين يسقط المطر مدراراً، أتلقّف الماء النّظيف أوّلاً، قبلَ غيري من الكائنات، وأنتَ واحدٌ منهم ..»!
قالَ البحر: ……
قالَ الجبل: …….
قالَ البحر: ……
قالَ الجبل: ……
قالَ البحر: ……
قالَ الجبل: ……
قالَتْ قطرةُ مَطرٍ بيضاء حِياديّة:
«.. بلْ أنا وأخواتي لكَ ولهُ، ولكلِّ الكائنات الحيّة، وسواها.. من المَعِيب، أنْ يفخرَ أحدُكما على الآخَر، أو يستهزئَ به، أو يعاندَه، أو يسيئ إليه، فالجارُ أخٌ للجار.. ثمّ هلْ نسِيتما أنّكما تعيشانِ في وطنٍ واحدٍ، ومن الجذورِ عينِها، هذه الأرض الطيّبة، أرض الرّسالات، والأنبياء، والشّهداء»؟!
عقب هذه الكلمات المُثمِرة، التحفَ كلٌّ منهما ببطّانيّة الخَجلِ والصّمت…..
وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار