إنّ التماهي مع منظومة التسارع التكنولوجي لركبِ الحضارةِ الذي يحثّ الخطى بطريقةٍ عجائبيةٍ منَ الديناميكيّةِ المسيطرة على مُجمَلِ العوالمِ التي تنطوي تحتَ ربقِ السّرعةِ وفتيلِ التسابقِ المحمومِ للوصولِ إلى…..؟؟ وعندها يأتي السؤال ..الوصول إلى أين ؟؟؟ أفرز هذا الصراع وتلكَ التحديات التي غيّرت الإنسانَ وتركته يدورُ في عجلةِ تعاندُ القيمَ وتدوسُ الأخلاق وتركضُ بحمحمةٍ متجذرةٍ ومتسارعةٍ حتى أنّها تأكل ما تبقى من هدوءٍ نفسيّ في داخلهِ وتقتاتُ على الوجودِ الرقيق للانتماء الإنساني واحترامهِ للأرض التي حملتْهُ وتحملهُ … هذا الوقوفُ الخاطفُ عندَ عجلةِ السرعةِ يجعلُنا نلحظُ وبلا أدنى شكّ وبدونِ العودةِ إلى الدراساتِ العديدةِ والتي تركتْ الإنسان يفتحُ فمهُ من شدّة التعجبِ ولمْ يغلقهُ حتى الآن …
نعم إنّ مفرزات الحضارة واللحاق بالتكنولوجيا جعلَ منّا منظومةً تكتولوجيةً متلقية …. تماما ليس إلاّ.. لقد ودّعنا الانسجام الطّبيعيّ والمتماهي مع أمنا الأرض وصارَ لزاماً علينا الجلوس ساعات لقتل ذواتَنا بأن نتابع فلتان الآخر هذا الآخر الذي لا نعرفُ إلى أين سيوصلنا ولمْ نعد ندري لما نحنُ مستسلمين لهذه الدّرجة … إنّها الحياة التي تذهبُ بلا رجعة وبلا فائدةٍ تُذكر …!! فقط كلّ منّا قررَ أن يجلسَ خلفَ تلك الشّاشّةِ الصّغيرةِ جداً والذكيٍةِ جداً للتواصلِ الذي سأطلق عليه اللاتواصل …. لقد أفرزت هذه الحالة أولَ خطرٍ كان من أول أهدافها التخلص منه ألا وهي الوحدة … تُظهرُ الدراسات والاستبيانات التي قاموا بها أنّ الوحدة تنتشرُ بينَ الشباب أكثر بكثير من انتشارها بين كبار ِ السّن …وهذا أصعب نتاجٍ سلبيّ يمكن أن تفرزهُ المنظومة التراتبية للأخلاق التكنولوجية التي تسكنُ كلّ بيت وتدخلُ كلّ غرفنا وتشاركنا كلّ ثواني حياتنا التي لم تعُدْ ملكنا وهنا ندخلُ في مرضٍ آخر ألا وهو الانصياع التّام للفراغ الذي يسكنُنا نتيجةَ التماهي مع التقنيات بوجهها الضار والانسحاب الكامل من عاداتنا وقيمنا والانسجام البكر الذي كنّا مفطورينَ عليه وكان الحامي لروحنا الغضّة والمرتب لنفوسِنا الرقيقة التي تسعى للاطمئنان لكنّها ومع الزمن لن تحصد سوى الفوضى العارمة التي خرجت بملايين اللامبالين وحشد لا يُستهان به من الذين لا يعطون قراراً ولا أية ردة فعل لعلمهم أنّه لا فائدة تُذكر …وأنا هنا سأحكي فقط عن مفرزة الوحدة التي تكاد تقضي على شبابنا ونحن لا نعلم ولا نعرف ماذا نفعل ؟؟ الشباب الذي يأخذ أفكاره الجاهزة من تلك الشّاشة الصّغيرة …ولا وقتَ لديه فقط ليأخذ نَفَسْ ويفكرُ ما إذا كانت هذه القوالب الجاهزة والأفكار التراكمية صحيحة أم خاطئة … الشّباب الذي نسيّ ما تربى عليه وبسببٍ تراكمي أسطوري سيطر على حياته مع تراتبية الأيام والوقت حتى زاحَ فطرته وعاداته وبنى بناءه المخيف والمرعب في داخل هذا الإنسان الذي إذا ما استمر على هذه الوتيرة سيفقدُ إنسانيته قليلاً قليلاً …سيشعر بالوحدةُ في خضّم الفوضى …الإحساسِ بالغربةِ وهو في حضن الأهل …… فما الحلّ وإلى أين هم ذاهبون ؟؟ الشباب وبنظرةٍ سريعةٍ نعرف أنهم يعيشون غربةُ من نوعٍ آخر غربة روح … فلم تعُد تُقنعهم حياة أهلهم ولم تعُد تُصلح أحوالهم تلك القوانين التي يؤمنون بها ولمْ تُحلّ لهم مشاكلهم بأيّ علاج منزلي حتى لو كانَ صحيحا وفعّالا … والأهل الذين بدورهم استسلموا لابتعاد الأولاد عن الالتصاق بهم والالتحام بقيمهم التي عاشت بداخلهم ولم تخرج ..هم بدورهم وبعد إعلان الاستسلام ركبوا سيارة الحضارة كما يقولون ورحلوا إلى الحياة اللاحياة …وضاعت المحبة التي تجمع وتلم الأهل ..؟؟ هاهي تذهب أدراج الرياح . أمام عشوائية التطبيق الخاطئ تتراكم الغربة وتسيطر الوحدة ويبقى الإنسان ضحيّة مرمية على جرفِ الهاوية بدون أن يدري ولن يدري .
عفاف خليل