تميل الفكرة في الذاتية لدى الفرد إلى تصورات محدودة الرؤى، إذا ما قيس الأمر بالجانب الموضوعي، الذي يأخذ طابع الحقائق، على خلاف حال الأمر في الذاتية الأميل إلى مطارحات انطباعية. على حين أن مدارات الفكر، مدى، ومدارج التفكير جوانب شتّى في مآلات كل حيّز، تتراءى وفق ما يصوغه التأمل صدى، ويستشرفه الوعي فضاء رحباً، ويؤكده السلوك دروباً في مسارات حياة. وكل ذلك صوب عوالم من صنوف مختلفة لقراءات تمخر عباب جهدها مثاقفة ذات في كينونتها تجربة ذاتية، وواقعاً تتسع في خبرات تراكمية، متعاقبة لدينا من معارف وعلوم ومهارات واكتشافات، وغنى ثقافات….. كل هذا يدفع بالمرء إلى المزيد من محاولات الاستشراف، وحب الفضول المعرفي إغناءً لمؤونة الذات لديه، وصقلاً لمواهب وميول واتجاهات، ومحاكاة لقدرات وفيض قناعات، يظلل ذلك معارف وشيِّ طرزته الأعمار ما بين غنى فطري، وآخر مكتسب، وإذ يتبدى من بين ظهرانيهما ذاك التشوف الطالع صوب الحياة … ولأن الذاتية مشبعة بالتعبير عن ذاتها، لكأنها قطب الرحى، سرعان ما تبدو متحفزة السعي نحو الامتلاء توكيداً للحضور المشخص الطافح رغائب تتنفس بمكنونات النفس، وتطلعات الأفكار، ووشوشات الأحاسيس في خفايا الوجدان ومعطى التفكير، على قدر ترابط ميول واكتساب على مثاقفة معارف وإعمال تفكير، وحفاوة تجارب، وطاقة مهارات. على أن واقع الأمر في نسبية الذاتية، بُعداً تشخيصياً، والموضوعية، واقعاً، بنيوي التمثل .. واقع الأمر يتضح، حقيقةً، في الوجدان، بمعنى الوجود الكلي لكليهما في دنيا الحياة. وإفادةً من مدى حال الذاتية الانطباعية، والموضوعية المكتنزة للوعي الجمعي، حقائق فإن الاستغراق الدلالي لجمالية التماهي في مقاربة الذاتي للموضوعي يوسع في المجال لسعادة معرفة، وصقل تجارب، واتساع رؤى، وانعتاق كل قيد من ضحالة انكماش في أمر، فتروح الذات بوح إشراق خيّر، اصطفاء فرح معرفي بنّاء يرى في الإنسان كل قيمة كبرى، ويجد في الحياة كل معنى يحمل كل توجه نحو ذهنية منفتحة، جذورها أصالة لا تميد، وسرح أفنانها واحات، لها المدى كل إعمار وخير وإبداع.. إذ مطلق مقولات الفطنة الألمعية: الخير العميم قيمة وإنتاجا وسلوكاً، ونبوغ ابتكار، وفصاحة لقاء إنسان بإنسان، وبكليهما بالإنسانية المغروسة بالبناء الحضاري الخير. بذلك تشد الفردانية الذاتية في كينونتها وجوداً مشخّصاً تعاضد روح بجسد غبر صقيل من عوالم وأشياء في فضاءات ذلك المحيط في متسع كون، وزحام فكر وأفكار حيث التدفق المعرفي والأقمار الصناعية، والحتمية التقانية، والذكاء الصنعي، وفلسفة ((النانو)) وغير ذلك. كل هذا يحتم المزيد من النباهة في قراءة، تتجاوز التصفُّح لحيثيات وأمور، بل تحث على توكيد قيمة مضافة عبر تناص وإضافات والتفكير يولد تفكيراً، والإبداع يولد إبداعاً على رأيي : ((تين، وأوسكار وايلد))… وبذلك تحضرالذاتية تمكن حال أكثر مكانة في مرآة الواقع، وصاحبها أيضاً مشاركة في وعي، وإبداعاً في تقديم فكرة أو رؤية أو مشروع يترافد مع غيره بنائية أداء يعمران وآخرين مبدعين مداميك العمران والخير، وسعادة العطاء. هذا التفهم لذاتية تطل بغنائية الذاتية المتألقة بوفرة الوعي الجمعي، وذكاء الذات والإدراك لمحيط يجمع بين الأشياء من جانب والعالم من جانب آخر في مقاربة الموضوعية يكون الثراء ثقافة، والوعي نباهة، والإدراك اتساعاً فتتكامل الخبرة بأنواعها شمولية تفاعل لافت وتكون قراءات كل أمر سبق تعقّل، وحيوية غنى نفس، وتجاوز كل نسق أولي عفوي الإجراء. وبذلك يؤكد المرء أن ما تقاسمه مع الأشياء والآخرين، يضاف إلى ذلك وجوده في العالم إنما يعطيه إشراق إنسان الحياة والإنسان الرسالة…. ويحقق المنفعة والتقدير. فالمعرفة في عمقها بحث عن الحقيقة، والتي هي سلوك يبحث عن الخير، وتجذر قيم. فالحدس لمعرفة الشيء هو غاية روز بين الوعي إدراكاً، والغايات أهدافا، وهو تحقيق لمقولة: ((كل شعور هو شعور للأشياء)) ضمن توصيف لدلالة ((المعرفة القصدية)) فالمرء قيمة ذات في موضوعية وجود.
نزار بدّور